إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(17) شرح إعراب سورة الإسراء

صفحة 265 - الجزء 2

  بالياء قراءة أبي عمرو بن العلاء، والتقدير لئلا يتخذوا، وقراءة أهل الحرمين وأهل الكوفة {أَلَّا تَتَّخِذُوا} وزعم أبو عبيد أنه على الحذف أي قلنا لهم لا تتّخذوا. قال أبو جعفر: هذا لا يحتاج إلى حذف وتكون «أنّ» بمعنى أي، ويجوز أن تكون «أن» في موضع نصب، ويكون المعنى بأن لا تتخذوا، وجعل الكلام للمخاطبة لأن بعده {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا} على المخاطبة، ونصب ذرية من أربعة أوجه: تكون نداء مضافا، وتكون بدلا من وكيل لأنه بمعنى جمع، وتكون هي ووكيل مفعولين كما تقول: لا تتخذ زيدا صاحبا، والوجه الرابع بمعنى أعني، ويجوز الرفع على قراءة من قرأ بالياء على البدل من الواو، ولا يجوز البدل من الواو على قراءة من قرأ بالتاء: ولا يقال: كلّمتك زيدا، ولا كلمتني زيدا، لأن المخاطب والمخاطب لا يحتاجان إلى تبيين.

  {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً ٤}

  {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ} قد ذكرنا قول ابن عباس | أن معناه أعلمناهم. وأصل قضى في اللّغة عمل عملا محكما، والقاضي هو المحكم الأمر النافذة، والقضاء: الأمر النافذ المحكم الذي لا يدفع. وقرأ سعيد بن جبير وأبو العالية {وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ} وروي عن ابن عباس وجابر بن زيد⁣(⁣١) ونصر بن عاصم أنهم قرءوا {لَتُفْسِدُنَ}⁣(⁣٢) على ما لم يسمّ فاعله. {وَلَتَعْلُنَ} أي ولتعظّمنّ، وحذفت الواو لالتقاء الساكنين ولأن قبلها ما يدلّ عليها.

  {فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً ٥}

  {فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ} قيل: أي خلّينا بينكم وبينهم، وقرأ الحسن فجاسوا خلل الديار⁣(⁣٣). قال أبو إسحاق: أصل الجوس طلب الشيء باستقصاء أي طلبوا هل يجدون أحدا لم يقتلوه و {خِلالَ} ظرف أي في خلال الديار. {وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً} خبر كان، واسمها فيها مضمر.

  {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ٦}

  {ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} أي نصرناكم عليهم حتّى كررتم. {وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ} مفعولان. {نَفِيراً} على البيان.


(١) جابر بن زيد أبو الشعثاء الأزدي البصري، وردت له حروف في القرآن، صاحب ابن عباس (ت ٩٣ هـ) ترجمته في غاية النهاية ١/ ١٨٩.

(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٨، ومختصر ابن خالويه ٧٥.

(٣) انظر البحر المحيط ٦/ ٩، والإتحاف ١٧١.