إعراب القرآن للنحاس،

أبو جعفر النحاس (المتوفى: 338 هـ)

(22) شرح إعراب سورة الحج

صفحة 71 - الجزء 3

  {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ} فيه ثلاثة أوجه من القراءات: هذه التي ذكرناها قراءة أهل المدينة، وقرأ أبو عمرو وعاصم {أُذِنَ}⁣(⁣١) كما قرأ أهل المدينة وقرأ يقاتلون بكسر التاء، وقرأ الكوفيون إلّا عاصما أذن⁣(⁣٢) بفتح الهمزة والذين يقاتلون بكسر التاء والمعاني في هذا متقاربة لأنهم قد قاتلوا وقوتلوا إلّا أن قراءة أهل المدينة في هذا أصحّ معنى، وأبين من وجهين: أحدهما أنه قد صحّ عن ابن عباس أنها أول آية نزلت في القتال. قال أبو جعفر: كما حدّثنا أبو الحسن محمد بن محمد قال: حدّثنا محمد بن حمّاد الطهرانيّ قال: أخبرنا عبد الرزاق عن الثوري عن الأعمش عن مسلم عن سعيد عن ابن عباس أنه يقرأها {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ} وقال: هي أول آية أنزلت في القتال.

  قال الطهراني: لا أدري كيف القراءة فإذا كانت أول آية أنزلت في القتال فهم لم يقاتلوا بعد. فيبعد أن يكون {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ} وكان يقاتلون بيّنا، والجهة الأخرى أن بعده «بأنّهم ظلموا»، وبعده {الَّذِينَ أُخْرِجُوا} فوجب أيضا أن يكون «يقاتلون» بأنهم ظلموا ولأنهم ظلموا واحد، كما تقول: جزيته ببغيه ولبغيه. قال أبو إسحاق: ولا يجوز: وأنّ الله على نصرهم لقدير. بفتح الهمزة لأن إنّ إذا كانت معها اللام لم يجز فتحها.

  {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍ} في موضع خفض بدلا من الذين. {إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ} في موضع نصب على مذهب سيبويه استثناء ليس من الأول، وقال الفراء⁣(⁣٣): يجوز أن تكون «أن» في موضع خفض يقدّرها مردودة على الباء، وهو قول أبي إسحاق، والمعنى عنده: الذين أخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلّا بأن يقولوا: ربّنا الله أي أخرجوا بتوحيدهم. أخرجهم أهل الأوثان. {وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} روي عن أبي الدّرداء أنه قال: لو لا أنّ الله جلّ وعزّ يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد، وبمن يغزو عمن لا يغزو لأراهم العذاب، وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد: لو لا أن الله جلّ وعزّ يدفع بأخذ الحقوق بالشهادات {لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ} ولم ينصرف، صوامع ومساجد، لأنهما جمعان، وهما نهاية الجموع فثقلا فمنعا الصّرف. وكذلك كل جمع ثالث حروفه ألف وبعد الألف حرفان أو ثلاثة. وقوله جلّ وعزّ {يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً} الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر


(١) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٤٦.

(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٤٦، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٣٧.

(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٢٧.