(23) شرح إعراب سورة المؤمنين
  {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} ويقال: «تنفح» في معنا إلّا أن «تلفح» أبلغ بأسا. {وَهُمْ فِيها كالِحُونَ} ابتداء وخبر، ويجوز النصب في غير القرآن على الحال. والكالح في كلام العرب الذي قد تشمّرت شفتاه وبدت أسنانه كما ترى رؤوس الغنم. وقد جاء عن النبي ﷺ التوقيف بمعنى هذا قال: «تحرق واحدهم النار فتقلص شفته العليا حتّى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتّى تبلغ سرّته»(١).
  {قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا} قراءة أهل المدينة وأبي عمرو وعاصم، وقرأ الكوفيون إلا عاصما شقاوتنا(٢) وهذه القراءة مروية عن ابن مسعود والحسن. ويقال: شقا وشقاء بالقصر والمدّ. وأحسن ما قيل في معناه والأهواء شقوة لأنهما يؤديان إليها، كما قال جلّ وعزّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً}[النساء: ١٠] لأن ذلك يؤديهم إلى النار {وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ} أي كنا في فعلنا ضالين عن الهدى. وليس هذا اعتذارا منهم إنّما هو إقرار ويدل على ذلك {رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ}.
  {قالَ اخْسَؤُا فِيها} والمصدر خسء في اللازم والمتعدّي على فعل.
  {إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا} قال مجاهد: هم بلال وخبّاب وصهيب وفلان وفلان من ضعفاء المسلمين، كان أبو جهل وأصحابه يهزئون بهم.
  {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا} بالكسر والضم. وفرق أبو عمرو بينهما فجعل المكسورة من جهة التهزّؤ، والمضمومة من جهة السّخرة. ولا يعرف هذا التفريق الخليل وسيبويه رحمهما الله، ولا الكسائي ولا الفراء(٣). قال الكسائي: هما لغتان بمعنى واحد كما
(١) أخرجه الترمذي في سننه، صفة الجنة ١٠/ ٥٦.
(٢) انظر البحر المحيط ٦/ ٣٨٩، وكتاب السبعة لابن مجاهد ٤٤٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٢٤٣.