باب الهجرة
  يرى المعصية) ممن فعلها (وإلَّا لقال: حتى تُغَيِّرَ أو تُغَمّض)؛ لأن تغميض العين لو كان كافياً في إسقاط الواجب لذكره ÷ وفي هذا من المبالغة على إزالة المنكر أو الهجرة ما لا يخفى.
  (و) اعلم أنه (من حُمِلَ على فعل المعصية) أي: أكره عليها (وجبت عليه الهجرةُ إجماعاً).
  قال (أئمتنا $: ومنه) أي: ومن الحمل على المعصية (إعانة سلاطين الجور بالغارة) من الرعية معهم وتكثير سوادهم (وتسليم المال إليهم قسراً؛ لما مَرَّ) من الآية.
  (قال المنصور بالله # في) كتابه («المهذب في باب السيرة في أهل الفسق» ما لفظه: «ونحن لا نشك أن الضعفاء هم الذين لبَّسوهم الحرير، ورَكَّبوهم الذكور، وسقوهم الخمور، فأيّ عون أعظم من هذا») وهذا تصريح منه # بأنَّ فعلهم هذا أعظم عون لسلاطين الجور على العصيان، وهم إنما أعطوهم الدراهم والدنانير ونحوها.
  (وقال #) أيضاً في كتابه المهذب (في باب الهجرة ما لفظه: «لأنَّ أشد الُمظاهرة وأعظمها تقويتهم بالخراج) أي: تقويتهم بتسليم الخراج (وكونهم) أي الرعية (مُستضعفين فيما بينهم لا يُخرجهم عن حكمهم») أي: لا يخرج الرعية عن حكم سلاطين الجور الذين أعانوهم، بل حكمهم حكمهم؛ لقوله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}[النساء: ١٤٠].
  قال (أئمتنا $: ولا رخصة في ذلك) أي: في ترك الهجرة (إلَّا للمُحاط به والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً) فهؤلاء معذورون؛ (لقوله تعالى: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ ...} الآية) [النساء: ٩٨] لعدم تمكنهم من الهجرة.