فصل في بيان معاني كلمات من المتشابه
فصل في بيان معاني كلمات من المتشابه
[معاني الهدى]
  (اعلم أنَّ) المتشابه في القرآن كثير، فمن ذلك (الهُدَى) فإنه في أصل اللغة يأتي لمعاني منها:
  ١ - (بمعنى الدلالة والدُّعَاءِ إلى الخيرِ، قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}) [فصلت: ١٧] أي: دعوناهم إلى الخير ودَلَلْنَاهُم عليه وذلك بما ركب الله فيهم من العقول، وإرساله إليهم الرسل، وإنزاله الكتب.
  ٢ - (وبمعنى زيادة البصيرة بتنوير القلب بزيادة في العقل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}) [محمد: ١٧] أي: زادهم بصيرة بتنوير قلوبهم، (ومثله قوله تعالى: {إَن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[الأنفال: ٢٩] أي: تنويراً يُفرقون به بين الحق والباطل).
  ٣ - (وبمعنى الثواب قال تعالى: {يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ}[يونس: ٩] أي: يثيبهم) ربهم بسب إيمانهم (في حال جُرىِّ الأنهار) من تحتهم.
  ٤ - (وبمعنى الحُكم والتَّسمية قال الشاعر:
  مازالَ يهدِي قومَهُ وَيُضِلُّنَا ... جهراً وَيَنْسِبُنَا إلى الفُجَّار) أي: يحكم على قومه بالهدى ويُسمِّيهم مهتدين، ويحكم علينا بالضلال ويُسمينا ضلالاً.
  إذا عرفت ذلك (فيجوز أن يُقال: إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين بمعنى لا يزيدهم بصيرة) ولا تنويراً في قلوبهم؛ (لَمَّا لم يتبصروا، أو) بمعنى (لا يُثيبهم)؛ لعدم استحقاقهم الإثابة، (أو) بمعنى (لا يحكم لهم بالهدى، ولا يسمِّيهم به)؛ لعدم إيمانهم الذي يستحقون به ذلك.
  قالت (العدلية: لا) يجوز أن يكون (بمعنى أنه لا يدعوهم إلى الخير، خلافاً للمجبرة) فقالوا: لو دعاهم لأجابوا، بناءً على قاعدتهم المنهدمة أنه لا يقع إلا ما يريده.
  (قلنا: ذلك رَدٌّ لِمَا عُلِمَ من الدين ضرورة؛ لدعاء الله الكفارَ وغيرَهم بإرساله إليهم الرسل، وإنزاله إليهم الكتبَ، وقال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}[فصلت: ١٧]، وقال تعالى: {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِير}) [فاطر: ٢٤] أي: رسولٌ يدعوهم إلى الإيمان.