فصل [في أحكام قدرة العبد]
فرع [في حكم مقدور بين قادرين]
  (ومقدور بين قَادِرَيْنِ متَّفقَيْن) لا مختلفين (ممكنٌ وفاقاً لأبي الحسين البصري، وخلافاً لبعض متأخري الزيدية وجمهور المعتزلة) فقالوا: إنه محال، فلا تتعلَّق قدرة قادر بعين ما تعلقت به قدرة قادر آخر.
  (قلنا: تحريك الجماعة نحو الخشبة حركةً واحدةً وكسرُهم نحوَ العودِ كسراً واحداً لا ينكره عاقل) وذلك دليل على ما ذهبنا إليه؛ لأنَّ فعل الجماعة الذي هو التحريك والكسر فعلٌ واحِدٌ ومقدورٌ واحدٌ بلا شك، وذلك معلوم بضرورة العقل.
  (قالوا: لو أمكن) مقدور بين قادرين متفقين (لصحَّ منهما مختلفين) بأن يريده أحدهما ويكرهه الآخر (فيكون موجوداً) بالنسبة لمن أراده (معدوماً) بالنسبة لمن كرهه (دفعة، وذلك محال)؛ لأنه يؤدي إلى اجتماع النقيضين وهو محال.
  (قلنا: لا يلزم اطراده) في المتفقين والمختلفين؛ (لتضاد العلَّتين) في إيجاد الفعل وإعدامه؛ (لأنَّ العلةَ في صحة [المقدور بين قادرين](١) المتفقين الاتفاقُ، و) العلة (في تعذُّره بين المختلفين الاختلافُ، فيجب الامتناعُ مع الاختلافِ) وعدمُ الامتناع مع الاتفاق، وذلك (كالفاعل الواحد) فإنه يمكنه إيجاد الفعل وإعدامه؛ لا تحاد العلة، ويستحيل منه إيجاده وإعدامه في حالة واحدة؛ لاختلاف العلتين، وهو معنى قوله #: (إذ إيجادُهُ له وإعدامُهُ منه دفعةً محالٌ) وإذا امتنع ذلك من الفاعل الواحد فمن الاثنين فما فوقهما أولى، (ولم يمنع ذلك) أي: استحاله إيجاد الفعل وإعدامه دفعة من الفاعل الواحد (من فعله أحدهما) إما الإيجاد أو الإعدام (والفرق) بين الفاعل الواحد وبين الفاعلين (تحكم) أي دعوى للفرق بلا دليل.
  (ويستحيل إيجاد النقيضين) من أيِّ قادر في ذاتٍ واحدة، والنقيضان: ما ينقض أحدهما الآخر، ولا يرتفعان كالليل والنهار، والوجود والعدم، ونحو ذلك.
(١) لفظ المتن في الشرح «المقدور بين القادرين».