فصل [في التحسين والتقبيح العقليين]
فصل [في التحسينِ والتقبيحِ العقليين]
  هذه المسألةُ أصل مسائل العدل وهي قاعدةُ الخلاف بيننا وبين المجبرة، فإذا وافقونا فيها لزمهم الوفاق في جميع مسائل العدل، ولهذا تراهم في هذه المسألة ينكرون الضرورة، لئلا تنخرمَ قاعدتُهم؛ حيثُ قالوا: إنَّه لا اختيار للعبد في فعله، فكيف يكون للعقل مجالٌ مع ذلك، وسيأتي الرد عليهم إن شاء الله تعالى.
  (و) اعلم أنَّه (يستقلُ العقلُ بإدراك الحُسْنِ والقُبْحِ) أي: يدركهما العقل بالاستقلال، أي: بدون الشرع (باعتبارين اتفاقاً) بيننا وبين الأشعرية وغيرهم في ذلك.
  (الأول: بمعنى ملائمته للطبع كالملاذِ، ومنافرته له) أي: للطبع (كالآلام) فإنَّ العقلَ يحكم بحسن الملاذ أي ميل الطبع إليها، وبقبح الآلام أي: منافرة الطبع عنها، وهذا في الحقيقة ليس من أحكام العقل بل من أحكام الطبيعة؛ لأنَّ البهائمَ تدركه بطبيعتها.
  (والثاني: بمعنى كونه صفةَ كمالٍ كالعلم، وكونه صفة نَقْصٍ كالجهل) أي: أنَّ العقلَ يدركُ كون العلم حسناً أي: صفة كمالٍ فيمن تحلى به، وكون الجهل قبيحاً أي: صفة نقصٍ فيمن اتسم به، اتفاقا بيننا وبينهم في هذين الاعتبارين، ثم حصل الاختلاف بعد ذلك.
  فقال (أئمتنا $ وصفوةُ الشيعة) أي: الزيدية (¤، والمعتزلةُ، والحنفيةُ، والحنابلةُ، وبعضُ الأشعريةِ: و) يستقل العقلُ بإدراك الحُسْنِ والقُبْحِ (باعتبار) ثالثٍ وهو: (كونه) أي: ذلك الشيء (متعلَّقاً للمدح والثوابِ) لفاعله (عاجِلَيْنِ) أي: في الدنيا، وهذا في الحسن، (والذمِ والعقابِ كذلك) أي: عاجلين، - في الدنيا - وهذا في القبيح.
  وقال (أئمتنا $ وصفوةُ الشيعةِ، والمعتزلةُ وغيرهم: و) يستقل العقلُ بإدراك الحسن والقبح (باعتبار) رابعٍ وهو: (كونه) أي: ذلك الشي (مُتعلَّقاً للمدح عاجلاً والثوابِ آجلاً) وهذا في الحسن، (والذمِ عاجلاً والعقابِ آجلاً) وهذا في القبيح.
  وقال (جمهور الأشعرية: لا مجال للعقل في) هذين الاعتبارَيْنِ (الأخيْرَيْنِ) وهما الاعتبار الثالث والرابع، فقالوا: لا يدرك العقلُ فيهما حُسْناً ولا قُبْحاً (ووافقَهُم أقلُهم، والحنفيةُ،