فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]
٣ فصل [في بيان الإحباط وكيفيته]
  (ومَنْ لم يتب من المعصية الكبيرة الغير مخرجة من الملة، وفَعَل طاعةً سقط القضاءُ) أي: قضاء تلك الطاعة التي فعلها وهو عاصٍ لِلهِ تعالى (إجماعاً، ولم تُسقِط هي) أي: تلك الطاعة التي سقط قضاؤها (شيئاً من عقاب عصيانه، وفاقاً لأبي علي والإخشيدية).
  وقال (المهدي # والبهشمية، وادَّعى القاضي جعفر الإجماع: بل فعل الطاعة) التي فعلها مع الكبيرة من غير توبة (يسقط بقدرها) أي: بقدر ثوابها (من عقاب عصيانه؛ لقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه ٧ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه}) [الزلزلة: ٧ - ٨].
  (قلنا: ذلك عام مُخَصَّص بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِين}[المائدة: ٢٧]، فلو كانت) تلك الطاعة (مُسقِطةً) لشيءٍ من عقابه (لكانت مُتقبَّلةً) والآية مصرحة بعدم قبولها، (و) مُخصَّص (بقوله تعالى: {أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم}[آل عمران: ١٩٥] والخطاب) في قوله منكم (للمؤمنين فقط، و) مُخَصَّص أيضاً (بقوله تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا}[الفرقان: ٢٣] أي: باطلاً، فلو كان) ما عمله العصاة من الطاعات (مُسقطاً) لشيءٍ من عقابهم (لم يكن باطلاً) إذ قد عاد عليهم نفعه.
  (قالوا: يُفرق في العقل بين من أحسن بعد الإساءة، وبين من أساءَ ولم يُحسِنْ).
  (قلنا: يحسن في العقل رَدُّ إحسان المسيء الغير المقلع) عن الإساءة، (ومع الردِّ) لإحسانه (لا فرق بينه وبين من لم يُحسن؛ لعدم حصول ما يستحق به المكافأة، وهو قبول الإحسان).
  (ولا تُسْقِطُ حسناتُ الكافر شيئاً من عقاب عصيانه اتفاقاً؛ لعدم حصول شرطها، وهو الإسلام؛ لقوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَاءِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا}) [الكهف: ١٠٥] أي: بطلت أعمالهم.