فصل في بيان معاني كلمات من المتشابه
  (و) يجوز أن يُقال: إنَّ الله (يفتنُ المسخوطَ عليهم بمعنى: يعذبهم) بذنوبهم.
  قالت (العدلية: لا بمعنى يُضلهم عن طريق الحق) أي: يُغويهم فلا يجوز؛ لأنَّه صفة ذم كما تقدم، (خلافاً للمجبرة) فإنَّهم جوّزوا ذلك؛ لِمَا قد عُرف من مذهبهم.
  (قلنا: ذلك صفة نقص وذم لِلهِ تعالى، وتزكية لإبليس كما مرَّ) لهم، وقد عُرِفَ بحمد الله بطلان أقوالهم، وفساد عقائدهم، وتجرئهم على الله سبحانه وتعالى.
  واعلم أنَّ ما ذُكِرَ من الآيات وغيرها من المتشابه التي يجب ردُّها إلى المحكم كما قال تعالى: {هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ}[آل عمران: ٧] أي: أصله الذي يُردُّ إليه.
تنبيه [معنى الاختبار والابتلاء من الله سبحانه]
  (اعلم أنَّ مِنَ الناس من يعبد الله على حرف) أي: على طرف من الدين غير ثابت فيه، (فإن أصابه خيرٌ اطمأن به) وثبت على دينه (وإن أصابته فتنة) أي محنه واختبار (انقلب على وجهه) أي: ارتد عن دينه، وحينئذٍ (خسر الدنيا والآخرة).
  (ومن الناس مثل ما قال تعالى: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ} الآية) [آل عمران: ١٤٦] أي: ما ضعفوا عن الاستمساك بدينهم لما أصابهم من الأذى في سبيل الله، بل قاموا مع أنبيائهم أبلغ القيام؛ لأنَّهم على بصيرة من دينهم وعلى ربهم يتوكلون.
  إذا عرفت ذلك فالاختبار والابتلاء من الله سبحانه مجازٌ عبَّر به عن الامتحان والتمييز، (فشَبَّهَ الله تعالى الامتحانَ) الذي يمتحن به عباده (لتمييز صادق الإيمان من المُتَلبِّس به) وهو (على حَرْفٍ بالاختبار، فعبَّر الله تعالى عنه) أي عن الامتحان (بما هو بمعناه) أي: بمعنى الامتحان وهو الاختبار (من نحو قوله تعالى: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُم}) [محمد: ٣١] أي نختبركم بالشدائد فيتميز بذلك ثابت الإيمان من المتلبِّس به وهو على حَرْفٍ بما يظهر من أعمالهم عند الشدائد، (لا أنه تعالى اختبرهم اختبار الجاهل) من الخلق لما يؤُول إليه حالهم؛ لأنَّ الجهل يستحيل في حقه تعالى.