فصل [في ذكر المعجز وحقيقته]
فصل [في ذكر المعجز وحقيقته]
  (والمعجز: ما لا يُطيقه بشر، ولا يُمكن التعلُّم(١) لإحضار مثله ابتداءً، سواءٌ دخل جنسهُ في مقدورنا كالكلام) فإن كلام الله الذي هو القرآن معجزٌ، وهو من جنس الكلام الذي نتكلم به (أم لا) يدخل جنسه في مقدورنا (كحنين الجذع) إلي النبي ÷.
  (ولا يصح نبي بلا مُعجز) لأنه لا يدل على صدقه إلَّا لمعجز، (خلافاً للحشوية).
  (قلنا: الُمعجز شاهدٌ بصدقه، وإذا عدم الشاهدُ لم يحصل التمييزُ بين النبي الصادق الأمين، وبين نحو مسيلمة اللعين)، وإذا كان كذلك كان تلبيساً للهدى بالباطل (والله تعالى عدل حكيم، لا يلبس خطابه بالهراء) وهو الكلام الباطل (والافتراء) وهو تعمد الكذب.
  (بلى يجوز) أن يكون نبيٌ بلا مُعجز - أي لو فرضنا ذلك لجاز عقلا - ولكن لابدَّ (أن يشهدَ على نبوَّته نبيٌ قبله؛ لحصول الشهادة على صدقه) وهي شهادة ذلك النبي.
  (وشرطُهُ) أي: شرط المعجز: (إمَّا أنْ يدَّعِيه النبي قبل حصوله، ويقع على حسب دعواه نحو قوله تعالى حاكياً: {أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِين}) [الشعراء: ٣٠] فكان ما حكاه سبحانه: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِين ...}، (أو) لم يكن ذلك المُعجز قد ادَّعاه ذلك النبي ولكنه (كان مُعَرِّفاً بالنبوَّة كخبر الثعلب) المعَرِّف بنبوَّة نبينا محمد، (وإلَّا) يقع عقيب الدعوى ولا كان مُعرِّفاً بالنبوَّة (فهو آيةٌ من آيات الله مصادفة) للنبوَّة (وليس بمُعجز؛ لعدم اختصاصها) أي: الآية (بوقته) لأنه قد تظهر كثير من الآيات في غير وقت نبي فلعل هذه الآية كذلك.
  (ويجوز تراخيه) أي: المعجز (عن وقت الدعوى ولو بأوقات كثيرة إن أخبر به فوقع) ذلك المُعجز كما أخبر؛ (إذ صارا مُعجزين) الأول بوقوعه كما أخبر، والثاني إخباره بالغيب.
  (ويجوز) أن يكون المعجز (مُتقدِّماً) على النبوة (إن كان مُعَرِّفاً بالنبوَّة كقوله تعالى حاكياً عن عيسى #: {وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم: ٣٠] وهو في المهد) فنطقه في المهد معجزة له.
(١) لفظ المتن: في نسخة «ب» (التعليم). وكذلك أيضا في نسخة «ب» (ولا يصلح نبي).