فصل في بيان معاني كلمات من المتشابه
[معنى الطبع والختم]
  (والطَّبعُ والختمُ) المذكوران في القرآن قد يكونان:
  ١ - (بمعنى: التَّغطية) يقال: طَبَعَ الإناء وختمه إذا غطاه.
  ٢ - (وبمعنى: العَلَامَة) يقال: طبعَ على الشيء وختم عليه إذا جعل عليه علامة.
  قالت (العدلية: ولا يجوز أن يُقال: إنَّ الله تعالى ختم على قلوب الكفار وطبع بمعنى غَطَّى) عليها ومنعها من الإيمان؛ لأنَّ ذلك قبيحٌ، (خلافاً للمجبرة) فإنَّهم جوّزوا ذلك.
  (قلنا: أمَرَهُمْ ونَهَاهُمْ عكس من لم يعقل نحو المجانين) فلم يأمرهم ولم ينههم، فلو غَطَّى عليها لما أمرهم ونهاهم؛ (إذ خطاب من لم يَعقِل صفة نقص، والله سبحانه يتعالى عنها).
  وقال (بعض العدلية: ويجوز) أن يكون الطبع والختم من الله تعالى (بمعنى: جَعَلَ علامَةً) في القلب إمَّا نكتة سوداء أو بيضاء ليتميز بها الكافر والمؤمن للملائكة $.
  قال #: (وفيه نظرٌ؛ لأنها) أي: العلامة (إن كانت للحفظة $، فأعمال الكفار أوضح منها، مع أنهم $ لا يرون ما وَارَاه اللِّباس من العورة، كما ورد) عن النبي ÷ (أنَّهم يصرفون أبصارَهم عند قضاء الحاجة، فبالأحْرَى أنَّهم لا يرون القلب) فكيف يرون النكتة.
  (و) إن كانت تلك العلامة لله تعالى، فالمعلوم أنَّ (اللهَ تعالى غنيٌ عنها؛ لأنه عالم الغيب والشهادة، قال تعالى: {لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ}) [سبأ: ٣].
  إذا عرفت ذلك (فالتحقيق أنَّه) أي: الطبع والختم في حقه تعالى مجازٌ، (عبارةٌ عن سلب الله تعالى إيَّاهم تنوير القلوب الزائد على العقل الكافي؛ لأنَّ من أطاع الله تعالى نوَّر الله قلبه كما قال الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}) [التغابن: ١١] أي يزده هدىً ونوراً، (وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُم}[محمد: ١٧]، وقال تعالى: {إَن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً}[الأنفال: ٢٩] أي: تنويراً كما مرَّ، ومن عصى الله سبحانه لم يمدَّه بشيءٍ من ذلك) التنوير (ما دام مُصِرَّاً على عصيانه، فشبَّه الله سبحانه سلبه إياهم ذلك التنويرَ بالختم والطبع) على الحقيقة، ووجه الشبه عدم انتفاع قلوبهم بالهدى والإيمان.