الدليل الصغير
  للعالم من محدث واحد أحدثه.
  وإن كان أحدهما قادراً على فعل شيء يخفيه من صاحبه والآخر غير قادر على ذلك منه فالقادر على ذلك هو الخالق العالم والمدبر له، والذي لا يقدر على ذلك عاجز ضعيف مخلوق، وبعجزه وقدرة صاحبه على تجهيله ثبت الصنع لواحد، فقد آل الأمر في ذلك لواحد ليس له نظير ولا عديل، وأن الذي أحدث الأشياء وخلقها واحد لا شبيه له تعالى علواً كبيراً.
  فإن قال: فأخبرني عن الذي تعبدُ أشيء أم غير شيء؟
  قيل له: هو شيء لا كالأشياء.
  فإن قال: قد شبهته بالأشياء بقولك: هو شيء.
  قيل له: لم أشبهه بالأشياء؛ لأنه شيء لا كالأشياء، مخالف لها.
  فإن قال: أو ليس قد أشبه الأشياء في معنى قولك: شيء؟
  قيل: لا؛ لأن الأشياء لا تشبهه في الشيئية؛ لأن في قولي: شيء إثبات معنى أخرجته من العدم، وليس في إخراجي لمشيئ الأشياء(١) من العدم اشتباه ولا اختلاف.
  فإن قال: فإذا(٢) قلت: إنه شيء لا كالأشياء فكأنك قلت: هو شيء لا شيء.
  قيل له: ليس في قولي: إنه شيء مخالف للأشياء دليل على أنه لا شيء؛ لأن قولي: شيء إنما هو إثبات له وإخراجه من العدم، وقولي: لا يشبه الأشياء أن ذاته مخالف لشيء آخر خارج من العدم، فقولي: شيء اسم يلحقه بخروجه من العدم، وقولي: «لا كالأشياء» لأنه لا يشبه غيره من الأشياء.
  فإن قال: زعمت أنه شيء لا كالأشياء فما أنكرت أن يكون جسماً لا كالأجسام؟
(١) في (٢): في إخراجي للأشياء من العدم.
(٢) في (أ): فلم.