الدليل الصغير
  قيل له: أنكرنا ذلك لأن كل جسم فطويل عريض ذو أجزاء وكيف، والطول والعرض يدل على الحدث؛ لأن كل طويل قد يتوهم أطول منه، وما توهم أطول منه فله غاية، وما كان له غاية فهو ينقص عما هو أكبر منه من تلك الغاية، وكل مقصر فعاجز، والعجز عن الخالق تعالى منفي. مع أنه لو كان جسماً كان مشابهاً للأجسام؛ لأن الأجسام مخصوصة بضرب من الصفات كائناً ما كان منها، وهو الصورة والتأليف والطول والعرض، لا تنفك منه.
  فإن قال: وكذلك قولك: إنه شيء يوجب أنه مشابه للأشياء.
  قيل له: لا؛ لأن ذلك من قبل أن الشيء اسم يقع على كل موجود اختلف أو اتفق، وليس من معنى إلا وشيء يلزمه. وجسم أيضاً يخص(١) به كل ذي هيئة وصورة، وذوو الهيئات والصور فمشتبهون.
  فإن قال: فلم زعمت أن جسماً وجسماً يشتبهان وشيء وشيء لا يشتبهان؟
  قيل له: لأن جسماً(٢) ولا جسم يختلفان؛ فلما كان جسم ولا جسم يختلفان وجب أن جسماً وجسماً يتفقان. وشيء و [لا] شيء يختلفان؛ فلذلك لم يكن شيء وشيء يتفقان، وكل شيء إذا عكسته فلم يختلف فهو غير متفق إذا كان غير معكوس، وكل شيء اختلف بالعكس فهو غير متفق بغير العكس، كقولك: محدث ومحدث فهذان يشتبهان؛ لأن محدثاً وقديماً يختلفان، وكذلك قولك: جسم ولا جسم يختلفان، وشيء ولا شيء يختلفان، ولذلك لم يكن شيء وشيء يتفقان، ولهذه العلة نفينا عنه شبه الأشياء وإن كان شيئاً؛ لأنه شيء لا كالأشياء تبارك وتعالى.
  فإن قال: فهل نصفه بطول أو عرض أو لون أو طعم أو شيء من صفات الجسم التي لا نعقل شيئاً(٣) إلا بها؟
(١) في (أ): فيحيط.
(٢) في (٢): قيل له: من قبل أن جسماً ... إلخ.
(٣) «شيئاً» ساقط من نخ (١، ٢).