مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الدليل الصغير

صفحة 132 - الجزء 1

  القائمة دعاني إلى الإقرار⁣(⁣١) بذلك.

  فإن قال: فأين كان ربك قبل أن⁣(⁣٢) يخلق الخلق؟

  قيل له: إن «أين» مكان، ولم يزل ربنا ولا مكان، ولا معنى لمسألتك؛ لأن في⁣(⁣٣) قولك: «أين كان» إثبات للأماكن، وفي قولك: «قبل أن يخلق الخلق» نفي للأماكن؛ لأن الأماكن خلق، وفي ذلك من قولك⁣(⁣٤) إيجاب لوجود الأماكن وعدمها، وهذا محال.

  فإن قال: فكيف يعقل شيء لا في مكان؟

  قيل له: أما ما كان من الأشياء المحتاجة إلى الأماكن القائمة بها فلا يعقل إلا في مكان، وأما ما كان لا يحتاج إلى مكان وهو مدبر الأماكن ومقيم الزمان فقد يعقل ولا مكان من طريق العلم لا من طريق التوهم؛ لأنا إنما أقررنا بالله ربنا تبارك وتعالى بآثار صنعه وعجائب برهانه؛ لا من تصور⁣(⁣٥) في الأوهام منا، وأدركته العقول بالدلالة الواضحة والبراهين القائمة اضطراراً إلى الإقرار بما وصفنا.

  ووجه آخر: أن الله تبارك وتعالى بخلاف ما يعقل ويتوهم من الأشياء، والأشياء لا تعقل ولا تتوهم إلا في مكان، فلما كان بخلاف كل ما لا يعقل إلا في مكان كان لا يحتاج إلى مكان.

  فإن قال: فهل تزعم لربك علماً؟

  قيل له: كلامك يحتمل وجهين: فإن أردت أن له علماً سواه به علم الأشياء فهذا منفي عن ربنا تبارك وتعالى؛ لأنه لو كان إنما علم بعلم غيره كان إلى غيره


(١) في نخ (١، ٢): بالإقرار.

(٢) «أن» ساقط من (أ).

(٣) «في» ساقط من (أ).

(٤) «من قولك» ساقط من (١، ٢).

(٥) في (أ): لأن ما تصور.