مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الدليل الصغير

صفحة 133 - الجزء 1

  محتاجاً، مع أنه لو كان العلم غيره لم يَعْدُ منزلتين: إما أن يكون قديماً لم يزل مع الله أو محدثاً كان بعد إذ لم يكن؛ فإن كان قديماً لم يزل مع الله فهذا قول أصحاب الاثنين أن اثنين⁣(⁣١) لم يزالا، وما جعل أحدهما أولى بالربوبية وهما قديمان.

  أو يكون العلم محدثاً بعد إذ لم يكن فهو قبل كونه وحدوثه غير عالم، تعالى ربنا عن ذلك، فلما استحال الوجهان اللذان ذكرنا لما وصفنا من ذلك وجب أن يكون علمه تعالى ليس غيره.

  وإن أردت بقولك: لله علم تريد أنه عالم فنعم، وكذلك الجواب في قوله: لله قدرة معناه: قادر فنعم.

  وإن أردت بقولك: لله قدرة مضافة إليه غيره بها يقدر على الأشياء فلا، وربنا متعال عن ذلك؛ لأنه لو كان يقدر بغيره كان إلى غيره محتاجاً، وكان إذ كان ولا غيره معه ولا شيء سواه غيرَ قادر، فلما لم يزل ولا شيء سواه ثبت أنه القادر بنفسه؛ فالجواب في قوله: «لله قدرة» كالجواب في قوله: «لله علم» على ما فسرنا لك قبل.

  وكذلك إن قال: لله سمع وبصر، فإن أراد بذلك أن له جوارح بها يسمع ويبصر غيره فلا، بل هو السميع البصير بنفسه. وكذلك هو حي بنفسه تعالى.

  فإن قال: أتزعم أنه حي؟

  قيل له: نعم.

  فإن قال: وما عنيت بقولك: إنه حي؟

  قيل له: عنيت أنه موجود منفي عنه الموت الذي يحل في العباد⁣(⁣٢)، وأن التدبير والتقدير يمكنه. وكذلك معنى قولي: إنه عالم إنما أثبته خلاف الجهل، وكذلك قولي: إنه سميع بصير أنفي عنه العمى والصمم، وقولي: مريد أنفي عنه


(١) في نخ (١، ٢): شيئين.

(٢) في نخ (١، ٢): بالعباد.