الدليل الصغير
  لذلك، فهو قادر على الشيء وإن لم يكن، ومالك له وإن كان معدوماً، ألا ترى إلى(١) قوله: {مَالِكِ يَوْمِ اِلدِّينِ} ويوم الدين لم يكن، وكذلك هو عالم بما يكون وإن لم يكن، وعالم بما لا يكون أنه لا يكون.
  فإن قال: فإذا لم يكن فهناك شيء يعلمه؟
  قيل له: إذا لم يكن فهو شيء لم يكن يعلم أنه يكون أو لا يكون.
  فإن قال: وما لا يكون شيء فيعلمه؟
  قيل له: ما لا يكون لا يكون(٢) شيئاً موجوداً إلا أن يكون، وليس شيئاً موجوداً بل شيء معدوم(٣).
  فإن قال: فمتى قدر الله أن يخلق الخلق؟
  قيل له: هذا كلام فاسد لا معنى له؛ لأن «متى» وقت، وذلك يوجب أنه كان قادراً في وقت كذا، ووقت لم يكن قبله قادراً، وهذا محال؛ لأنه يقال: لم يزل قادراً قبل الوقت وقبل كل شيء.
  فإن قال: فمتى علم الله أنه يخلق الخلق؟
  قيل له: إن أردت بقولك: «متى يعلم» إرادته(٤) فهذا محال كإحالة ما تقدم؛ لأنه قد كان عالماً قبل الوقت، ولم يزل كذلك، وإن أردت بقولك: متى أراد أن يخلق الخلق ومتى علم أنه يخلق تريد أن تجعل متى وهو الوقت المعلوم الذي علم أو المراد - صح الكلام وجاز القول بأنه أراد في وقت كذا وكذا، وعلمه في زمان كذا وكذا، ونظير هذا ما أجاز الناس بينهم، فيقول الرجل للرجل: متى تريد أن آتيك؟ فيقول: نصف النهار، ويريد وقت الفعل دون وقت الإرادة؛ لأن الإرادة
(١) في (أ): ألا ترى أن قوله.
(٢) «لا يكون» ساقط من (أ).
(٣) في (أ): وليس شيء موجود شيء معدوم.
(٤) في (أ): وإرادة.