الدليل الصغير
  وإن أراد بقوله: لم خلق الله الخلق يريد أن يجعل بعضه علة لبعض دون ابتغاء العلة غير الخلق لما خلق الخلق جاز القول لأنه خلق الأشياء ليعتبر بعضها ببعض وينتفع بعضها ببعض ويضر بعضها ببعض، فتكون الأشياء بعضها سبباً لبعض وعلة لبعض.
  فإن رجع فقال: ولم خلق بعضها علة لبعض ومنفعة لبعض ومضرة لبعض؟ رجع إلى المسألة الأولى، وابتغى العلة(١) لم خلق الله هذه الأشياء هكذا، وقد أجبنا في ذلك وأخبرنا أن خلق ما خلق ليس أولى به من تركه، وأن المسألة في ذلك ساقطة؛ لأنه حكيم في جميع ذلك خلق أو لم يخلق، حكيم لو نفع من ضر أو ضر من نفع أو أحيا من أمات أو أمات من أحيا، ولما كان هذا هكذا كانت المسألة: لم خلق الله الخلق على هذا المعنى ساقطة.
  فإن قال: فإذا لم يكن الفعل أولى به من الترك ولا الترك أولى به من الفعل فلم فعل دون أن يترك، ولم ترك دون أن يفعل؟
  قيل له: إن قولك: لم فعل دون أن يترك أو لم ترك دون أن يفعل مثبت(٢) أن شيئاً أولى به من شيء، ثم قلت: وليس شيء أولى به من شيء؛ فكأنك قلت: فإذا لم يكن شيء أولى به من شيء فلم كان شيء أولى به من شيء؟ وهذا محال لا معنى له؛ لأن الذي لا(٣) يكون شيء أولى به من شيء لا يقال: لم فعل دون أن يترك أو ترك دون أن يفعل.
  فإن سأل سائل فقال: ما دليلك على الله؟ وما الدواعي التي دعتك إلى إثباته؟
  قيل له: ما أراني تبارك وتعالى من آثار صنعه في نفسي وفي الآفاق، كما قال سبحانه: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[فصلت: ٥٢].
(١) في نخ (١): علة.
(٢) في نخ (١): مبني.
(٣) «لا» ساقط من (أ).