الدليل الصغير
  فإن قال: فما أثر(١) الصنع؟
  قيل له: العمد والتأليف والخروج من البخت.
  فإن قال: وما العمد والتأليف؟ وما البخت؟
  قيل له: أما العمد فمثل هذه الخطوط التي ترى في هذا المصحف فتعلم أن لها كاتباً اعتمده على ما هو عليه من التأليف والتقطيع والهيئة، ولو أن مداداً سكب على صحيفة سكباً لم يأت منه حروف مؤلفة على ما تراه من هذه الخطوط المعتمدة المؤلفة، ومثل الثوب المنسوج لو ترك عطباً ووكل إلى نفسه لم يأت منه ثوب أبداً دون أن يقصد إليه قاصد فيؤلفه ويبرمه وينسجه، فهذا وما أشبهه مما تقف عليه عقول الناس ويتعالمونه(٢)، لو جحد هذا جاحد لم يراجع الكلام معرفة من الناس بفساد عقله، ولم يجيزوا معاملته في شيء، فهذا العمد.
  وأما البخت فمثل المداد يسكب على الصحيفة بغير قلم ولا خط فلن يأتي من ذلك حروف مؤلفة أبداً، فهذا وما أشبهه البخت، فالعمد معروفة أسباب كونه، والبخت معروفة أسباب كونه، فافهم.
  فلما رأينا هذا العالم وصفاته وما فيه من آثار الصنع والتقدير والهيئة والتأليف والاجتماع والافتراق دلنا ذلك على أن له صانعاً صنعه ومؤلفاً ألفه ومعتمداً اعتمده ودبره على ما هو عليه؛ ليدل الخلق بذلك على نفسه.
  فإن قال قائل: فأين أثر الصنع في نفسي؟
  قيل له: انظر إلى هيئتك التي أنت عليها والتركيب والبنية من قرنك إلى قدمك، وما في بدنك من المصالح بعضه لبعض، منه حاسة تدرك بها الأشياء، لو عدمتها قطعت بك عن(٣) مرافق كثيرة، ومنه جارحة تجلب بها إلى بدنك هذا
(١) في (١): أثبت.
(٢) في نخ (١): ويتعاملون به.
(٣) في نخ (١): من.