الدليل الصغير
  المرافق، لو عدمتها قطعت بك من مرافق أخرى تغذي بها بدنك وتقيمه، ومن ذلك مداخل للغذاء ومخارج، لولا تلك لم يقم بدنك، وفي كل هذه النعم والآيات التي فيك زين لك وجمال لو أن غير ذلك شانك.
  فكيف تدل على أن للكتاب كاتباً بما رأيت فيه من التأليف والهيئة ولا تلتفت إلى جحد الجاحد لو جحده، وهذا بدنك [يستدل على نفسك لنفسك ويعرف بصنعك صانعك] فيه من الآيات والتقدير والتدبير والهيئة والتأليف والدليل على صانعه عز وتعالى علواً كبيراً أكثر(١) مما في كتاب الكاتب من الدلالة على كاتبه.
  فإن قال: قد عرفت يقيناً أن صانعاً لهذا العالم بما بان لنا فيه من آثار(٢) الصنع والتدبير وهو الله رب العالمين. فإن قال: أخبرني ما هو؟
  قيل له: مسألتك تحتمل ثلاثة وجوه من الجواب: إن كنت تسأل عن اسمه فهو الله الرحمن الرحيم، وإن كنت تسأل عن صفته فهو الله العليم القدير، وإن كنت تسأل عن ذاته فهو الذي ليس كمثله شيء.
  فإن قال: الذي ليس كمثله شيء ما هو؟
  قيل له: لا معنى لمسألتك بعد ما رددنا عليك من الجواب؛ لأن المتسائلين إنما يتساءلان عما يدركان، فإنا وأنت لا ندرك الأشياء المدركة المحدودة المخلوقة إلا بالحواس(٣)، وليس الله ø واحداً من الأشياء ولا كواحدٍ من الأشياء، ألا ترى أن السائل إذا سأل المسؤول عن شيء ما هو فإنما يصف له ما قدر رأى وأدرك من الأشياء، يقول له: هو كذا وكذا مما يدركان جميعاً، والله خلاف ما يدركان، تعالى عن ذلك، فلا وجه لمسألة السائل بعد هذا الجواب.
  ألا ترى لو أن أعمى لم ينظر الدنيا قط لو أنه سأل إنساناً عن بعض
(١) في نخ (١): أكبر.
(٢) في (١): أثر.
(٣) في نخ (١): لا ندرك إلا الأشياء المدركة المحدودة المخلوقة، وليس الله ... إلخ.