الدليل الصغير
  الألوان(١)، فقال: أخبرني عن الأحمر والأخضر والأصفر ما هو - أنه لا يكون لمسألته وجه ولا جواب عند المسؤول؛ إذ(٢) كان السائل لا يدرك ما سأل عنه ولا حاسة معه لدرك ذلك اللون، فالله تبارك وتعالى لا يدرك بالحواس كما تدرك الأشياء بعضها بعضاً، والحواس فهي: النظر والسمع والشم والذوق واللمس بالبدن كله الذي يدرك به الحار والبارد واللين والخشن، وإنما الحواس تجلب إلى القلب، والقلب يميز ويضبط، والحواس من بين المدركات، فلا تقع حاسة إلا على محدود، ولأن الحواس تجلب إلى القلب، وكل ما تجلب باين معتزل(٣) في حيز، وكل ما في حيز فمحدود، وكل محدود فقد يمكن في الوهم أكبر منه، وكل ما يمكن في الوهم أكبر منه فليس بأكبر الأشياء، والله ø هو العظيم الكبير لا حد له ولا نهاية؛ لأن ذا النهاية صغير؛ ألا ترى لو أن سائلاً سألك فقال: هو أكبر أم السموات والأرض؟
  قلت: بل هو أكبر، فإن قال: بمقدار كم؟ قلت: بضعف أو ضعفين أو ألف أو ألفين لم يكن بد أن يكون لذلك حد ينتهى إليه، فإن انتهيت من ذلك إلى تسمية كائنة ما كانت قليلة أو كثيرة فقال لك السائل: هل تقدر أن تزيد في حده ذلك على ما نهيته إليه(٤)؟ فإن قلت: نعم، قال: فهلا زدت في صفته؛ إذ كان العظيم عندك أوجب أن يوصف به. فإن قلت: لا نقدر أن نزيد فيه على ما وصفت - نسبته إلى العجز، فهذا يضطر إليه من وصفه بدرك الحواس؛ لأن الحواس لا تقع إلا على محدود، تبارك وتعالى من لا حد له ولا نظير ولا ند له ولا غاية له ولا أمد له ولا مدى، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه].
(١) في (أ): عن بعض ما يكون.
(٢) في (أ): إذا.
(٣) في نخ (١): بمعزل.
(٤) في نخ (١): ما قد ناهيته إليه.