الرد على من زعم أن لله وجها كوجه الإنسان
  الذي لا يشبه معاني البشر ولا الحساب، وهو إسقاط الثاني، وليس ثان مع الله، ولا واحد غيره في معناه كهو، وإثباته واحداً تعطيل الثاني، وفي تعطيل الثاني توحيد الأول، والواحد الباقي الذي ما سواه فان.
الرد على من زعم أن لله وجهاً كوجه الإنسان
  الحمد لله الذي {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، الذي به قامت سماواته وأرضه، واستوى على عرشه، فلا شيء في استوائه يماثله؛ لأنه عن شبه كل شيء تعالى، وهو لكلنا شاهد ولنا باري، وكلنا عليه لا يخفى، سامع النجوى، والعالم بما في الضمير وما مضى في الضمير وأخفى.
  اعلموا - رحمكم الله - أن الله تبارك وتعالى أوحى إلى نبيه محمد صلى الله عليه وآله كلامه، لساناً عربياً مبيناً، أوجز البلاغات وأبلغه إيجازاً، وليس للأميين في اللغة أن يتأولوا في الكتاب ما لا يدركه المتأولون من رباني اللغة والكتاب، وقد علم ربانيو اللغة أن لها تصاريف المذاهب وفنون الجهات، وأنها ذات قيم وأمواج وأطناب ولطائف ودقائق في بيان.
  وإن فرقة من البدعية استعجمت في كتاب الله، وسارعت في تأويله من غير فصاحة بالتأويل، ولا فهم في التنزيل، ولا آلة في العلم باللغات، فتأولت بالعجمة إذ تأولته، ولما سمعوا كلام الله وما فيه من قول المطعمين: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}[الإنسان: ٩]، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، وقوله: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ٢٦ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}[الرحمن]، [قالوا:] إن لله - تعالى عن ذلك - وجهاً كوجه الإنسان.
  ونحن سائلوهم وبالله نستعين: ماذا أراد الله بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ٢٧}[الرحمن] أشيء منه دون شيء أم هو الله تبارك وتعالى يبقى؟ لأنه ليس بذي جوارح متفاوتة، فإن رجعوا إلى النظر وتصفية الجواب علموا أن الله أراد بقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} يعني: يبقى ربك، وأن كل شيء غيره فان،