الرد على من زعم أن لله وجها كوجه الإنسان
  لأن الله ليس مبعضاً يبقى وجهه دون أبعاضه، تعالى الله عن التبعيض.
  فإن تقحم ذو حيرة غمرات الكفر وزعم أن له أبعاضاً أحدها وجه قيل له: أخبرنا عن تلك الأبعاض التي أحدها وجه أتفنى دون الوجه؟
  فإن زعم أنها تفنى دون الوجه صرح بشركه، وإن زعم أن الأبعاض التي هي غير الوجه تبقى مع الوجه قيل له: من أين قلت: إن كلها تبقى وقد قال الله ø في كتابه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، والأبعاض التي هي غير الوجه هي شيء، وقد قال الله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]؟ ولن تجدوا حجة تدفعون بها الفناء عن الأبعاض التي هي سوى الوجه إلا أن ترجعوا إلى قولنا. وقد قال الله في كتابه: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ٣٩}[الروم]، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}[الإنسان: ٩]، فليس على الأوهام الطالبة إليه للحق في تأويل هذا مؤنة، إذا نظرت بصافي عقلها استبان أن معنى قوله: {تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ}[الروم: ٣٩]، أي: تريدون الله وثوابه، وقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ}، أي: لله، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨].
  وللوجه في القرآن معان وفي اللغة، قال بعض العرب:
  أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له ... بالله ليس له شبيه
  ومعنى تعنو الوجوه أي: تستأسر النفوس، وكل امرئ أسيرٌ، يريد أنه لله مستأسر، وإنما أراد بوجهه ذاته، فلما قال: أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له ثم قال: بالله علمنا أنه إنما استعاذ بالله في قوله: أعوذ بوجه من تعنو الوجوه له. وقال آخر:
  إني بوجه الله من شر البشر ... أعوذ من لم يعذ الله دمر(١)
(١) لفظ البيت في نسخة:
أعوذ بوجه الله من شر البشر ... من لم يعذه الله من ذل ذمر