الرد على من زعم أن لله وجها كوجه الإنسان
  وفيه دليل على أنه استعاذ بالله سبحانه، وقال آخر:
  إلهي لا رب لنا غير وجهه ... وليس له من صاحب لا ولا ند
  وفيه دليل على أنه أراد بذكره وجه الله أي: الله، ولم يرد بذكره وجهه أنه بعض دون أبعاض، لان الله سبحانه ليس بذي أبعاض. وقال ذو الرمة:
  أقمت لها وجه المطي فما درى ... أجائرة أعناقها أم قواصد
  فجعل للمطي وجها، وليس ذلك الوجه على ما يعقل من وجه الإنسان. وقال آخر:
  أعوذ بوجه الله من شر معقلٍ ... إذا معقلٌ راح البقيع وهجرا(١)
  وهذا دليل على أنه استعاذ بالله. وقال آخر:
  وتطَلَّب المعروف في كل وجهة ... تخطى إلى المعروف نحو ابن عامر
  ويقال في اللغة: أخبرنا بالخبر على وجهه، ولا يتوهم للخبر وجه على ما يعقل من وجوه البشر، وقال الله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ}[البقرة: ١٤٨]، أي: لكلٍ قبلة.
  وقال آخر في تأويلها: ولكلٍّ ملة.
  ويتأول بعض أهل العلم: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا}[النساء: ٤٧]، أي: ملة نمسخهم، يعني أهل الملل، وإنما صارت الملة وجهاً لأن صاحبها يتوجه إلى الرب بها. وقال الشاعر:
  درست وجوههم فكل آخذ ... غير الطريق وكلهم متحير
  فهذا دليل على أن الله أراد بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} أي: مللاً.
  وقال آخر:
  أضحت وجوههم شتى فكلهمُ ... يرى لوجهته فضلاً على الملل
(١) رواية البيت في الإصابة لابن حجر وغريب الحديث لابن قتيبة والأعلام للزركلي هكذا:
أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا