مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن لله وجها كوجه الإنسان

صفحة 175 - الجزء 1

  وفيه دليل على أنه استعاذ بالله سبحانه، وقال آخر:

  إلهي لا رب لنا غير وجهه ... وليس له من صاحب لا ولا ند

  وفيه دليل على أنه أراد بذكره وجه الله أي: الله، ولم يرد بذكره وجهه أنه بعض دون أبعاض، لان الله سبحانه ليس بذي أبعاض. وقال ذو الرمة:

  أقمت لها وجه المطي فما درى ... أجائرة أعناقها أم قواصد

  فجعل للمطي وجها، وليس ذلك الوجه على ما يعقل من وجه الإنسان. وقال آخر:

  أعوذ بوجه الله من شر معقلٍ ... إذا معقلٌ راح البقيع وهجرا⁣(⁣١)

  وهذا دليل على أنه استعاذ بالله. وقال آخر:

  وتطَلَّب المعروف في كل وجهة ... تخطى إلى المعروف نحو ابن عامر

  ويقال في اللغة: أخبرنا بالخبر على وجهه، ولا يتوهم للخبر وجه على ما يعقل من وجوه البشر، وقال الله سبحانه: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ}⁣[البقرة: ١٤٨]، أي: لكلٍ قبلة.

  وقال آخر في تأويلها: ولكلٍّ ملة.

  ويتأول بعض أهل العلم: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا}⁣[النساء: ٤٧]، أي: ملة نمسخهم، يعني أهل الملل، وإنما صارت الملة وجهاً لأن صاحبها يتوجه إلى الرب بها. وقال الشاعر:

  درست وجوههم فكل آخذ ... غير الطريق وكلهم متحير

  فهذا دليل على أن الله أراد بقوله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا} أي: مللاً.

  وقال آخر:

  أضحت وجوههم شتى فكلهمُ ... يرى لوجهته فضلاً على الملل


(١) رواية البيت في الإصابة لابن حجر وغريب الحديث لابن قتيبة والأعلام للزركلي هكذا:

أعوذ برب الناس من شر معقل ... إذا معقل راح البقيع مرجلا