مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن لله وجها كوجه الإنسان

صفحة 176 - الجزء 1

  وقال عباس بن مرداس السلمي:

  أكليب مالك كل يوم ظالماً ... والظلم أنكد وجهه ملعون

  وقال الله ø: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ}⁣[البقرة: ١١٢]، أي: من أخلص دينه لله، فجعل للدين وجهاً.

  وقال الشاعر:

  وأسلمت وجهي لمن أسلمت ... لأرض تحمل صخراً ثقالاً

  وأسلمت وجهي لمن أسلمت له ... المزن تحمل عذباً زلالاً⁣(⁣١)

  وفي ذلك دليل على أنه أراد بالوجه الدين.

  وقال الله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ}⁣[الروم: ٣٠]، ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض، وإنما تأويل أقم وجهك أي: أقم نفسك للدين، وتأويل أقم نفسك للدين إنما هو: قم بالدين.

  وقال الله سبحانه: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ}⁣[آل عمران: ٧٢]، يعني: صدر النهار. وقال بعض أهل العلم: أول النهار. فذكر الله للنهار وجهاً، ولم يرد به وجهاً من الوجوه التي أمر بغسلها عند الوضوء. وقد يجوز في اللغة القول بأن هذا وجه المتاع، وهذا وجه القوم وفاضلهم، وهذا وجه الدار، وهذا وجه الكلام، وهذا وجه العمل، معنى قولهم: هذا وجه الكلام، أي: صدقه وبيانه⁣(⁣٢)، ووجه العمل أي: العمل به صواب. وقال الله تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا}⁣[المائدة: ١٠٨]، أي: يأتوا بها على صدقها.

  وتأويل قول الله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨]، له معان:


(١) البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل كما في سيرة ابن إسحاق والأغاني وغيرهما.

(٢) في (أ): وثباته.