الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  وَزِيَادَةٌ}[يونس: ٢٦]، وقوله: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥}[المطففين]، وقوله يخبر عن موسى #: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣]، ونحن مقرون بالنظر من أولياء الله في جنته على غير تحديد ولا إحاطة، جل الله وعز وتعالى علواً كبيراً.
  والنظر له في لغة العرب معانٍ:
  أحدها: أن يلاقي الشيء جهرة ويحيط به بالعيان بإدراك وتحديد، فيقال: نُظِر إليه وعُوْيِن وأُدْرِك وأُبْصِر وجُوْهِر.
  ومعنى آخر من معاني النظر: لا بالعيان من بصر البصير، ولكن ينظر إليه بأفعاله، ومن ذلك قول العرب: انظر إلى شرائع الدين ما أحسنها، انظر إلى كلام عبدالله ما أفصحه وأبينه، انظر إلى ما صنع الله بعباده، وانظر إلى الذين جابوا الصخر بالواد ماذا صاروا إليه، فتجيب العقول له: قد نظرت إلى ذلك كله ورأيته لا بعيان البصر.
  ويقال: إنه قد نظر في لغة العرب، وما ينظر فلان إلا إلى الله ثم إلى محمد، وتقول: ما ينظر إلا إلى عبدالله، وعبدالله غائب. ومن ذلك النظر إلى الشيء بأفعاله وآياته لا بروحه وشخصه، وتقول: رأيت نفس زيد حين خرجت، لا تريد بذلك نظر العين للروح. ويقال: رأيت عقل زيد صحيحاً، ونظرت إلى عقله فرأيت عقلاً حسناً. والعقل روحاني لا يرى بالعيون؛ لأنه ليس بشبح ولا لون ولا جسم. ويقال: أحسنت النظر وأسأت النظر، ومن ذلك قول الشاعر:
  لا يزال وإن كانت له سعة ... إلى الذي رآه لم يظفر به نظر
  وكذلك تقول: رأيت حلم زيد وعقل عبدالله، وإنما رأيت الحلم والعقل بأفعالها، مع أشياء كثيرة مما يجوز في اللغة، كقولك: انظر إلى شدة غضبه، وانظر إلى شدة فرحه، وانظر إلى همه وعداوته، وهذه كلها روحانيات خفيات لا تدرك بأنفسها، وقد تدرك بأفعالها، ويقال: رأينا غضبه ورضاه وما أشبه ذلك.