مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك

صفحة 179 - الجزء 1

  وقال الله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦}⁣[الفجر]، والذي قيل له: ألم تر هو النبي ÷، وإنما النبي بعد قرون قبلها عاد، فرأى كيف فعل ربه سبحانه بعاد، ولم ير ذلك بعيان جهرة. وقال: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ}⁣[الفرقان: ٤٥]، وقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى}⁣[البقرة: ٢٦٠]، وقد رأى كيف أحياه الله من نطفة، ولكنه أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى من وجه من الوجوه الذي عاين من إحياء الله سبحانه الأجسام الميتة من النطف وغير النطف.

  وكذلك سأل موسى صلى الله عليه ربه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}⁣[الأعراف: ١٤٣]، ومعناه ومعنى الخليل صلى الله عليهما في نفس النظر سواء؛ لأنهما أرادا أن يعاينا بأبصارهما من معالم الله وآياته ما لم يزل الله يملك من المعالم والآيات، إلا أن موسى صلى الله عليه عاصٍ فيما سأل من قبل أنه سأل الله آية ليست من آيات الدنيا، ولم يكن له أن يسأل تلك الآية، وسأل النبي إبراهيم ربه أية من آيات الدنيا، فلذلك لم يكن في سؤال الله عاصياً. وإبراهيم وموسى في سؤالهما وقولهما لم يسألا ربهما أن يرياه جهرة لمعنى ما يرى البشرُ البشرَ، لأن ذلك شرك، ولم يكن إبراهيم وموسى صلى الله عليهما بمشركين، والله لا تدركه الأبصار، وقد علما ذلك، وكان موسى أعلم بالله من أن يسأل ربه أن يعاينه جهرة، بل أراد أن ينظر إليه بآية يحدثها له فيراه ليست من آيات الدنيا، ثم يكون له آية مرتجحة لا يحتملها الناس لو شاهدوها في الدنيا إلا أن يزاد في قوى حواسهم.

  فقيل لموسى: إن بنيتك لا تحتمل ما سألت، واعرف ذلك بهذا الجبل فإنه أعظم منك خلقاً، وأشد منك قوة، وأشمخ منك طولاً وعرضاً، انظر إليه كيف يعجز على إدراك ما سألت مثله، ولم يكن الجبل بذي عقل، والله تبارك وتعالى لا