الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  يتجلى بآياته وتدبيره على خلاف تجلي ما سواه، وقد تجلى الله سبحانه في كتابه بكلامه لنا في وحيه وآياته، فهذا معنى من معاني تجليه ø.
  وقد يقول القائل: أرى عقلك صحيحاً، ويقول: إني أحب أن أرى عقلك وأمتحنه بتدبيرك، فإن أحسن التدبير قال له صاحبه: قد رأيت عقلك حسناً.
  وأما قول الله ø: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}[القيامة]، فقد روى الناس عن سلفنا أنهم قالوا: هو النظر إلى ما يأتيهم من أمر الله. وقال بعضهم: هو الانتظار لثواب الله. ولا يرى اللهَ أحدٌ، وكلا القولين جائز.
  ولسنا ننكر أن يكون أولياء الله في الجنة يرون ربهم لا بتحديد ولا إدراك إحاطة، وكذلك كان معنى قول مجاهد في أن لا يرى الله أحد، أي: لا يراه أحد بتحديد ولا بإحاطة، ولكن يراه أولياؤه وينظرون إليه نظر مخلوقين إلى خالق، ينتظرون ثوابه ويرون تدبيره، لا كنظر مخلوقين إلى مخلوق؛ لأنه ليس كالمخلوقين. ولا يجوز أن يقال: نظر إلى من ليس كالمخلوق كما ينظر إلى المخلوق. وفي الخلق ما لا يرى، وهو الروح والعقل وما أشبههما، فلا يقال: إن شيئاً من ذلك يرى كما ترى الأشخاص، فكيف يقال: إنه يرى الله كما يرى الشخص؟
  وإذا ابتعث الله أولياءه من الأجداث أرسل إليهم ملائكته ليبشرهم بالجنة وينادونهم: {أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٤٣}[الأعراف]، وذلك قبل أن يدخلوها وهم ينظرون إلى أن ينيلهم ما وعدهم وما به بشرهم، فوجوههم يومئذ ناضرة بهجة مشرقة حسنة ناعمة، تنظر إلى ربها بالحب له والرضا عنه والرغبة إليه، ينظرون ما يأتيهم منه ما بشرتهم الملائكة، وإن الله ø ينظر إليهم نظر الخالق إلى المخلوق المطيع الحبيب، وينظرون إليه بالرغبة فيما لديه نظر مخلوقين محبين إلى خالقهم المحبوب عندهم المنعم عليهم، نظر معرفة لا نظر تحديد وإحاطة، والله ينظر إليهم وقد كان يراهم في الدنيا، إلا أن