مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك

صفحة 182 - الجزء 1

  نظره هذا نظر ثواب ورحمة ووفاء بما وعدهم والمزيد لهم من كل كرامة⁣(⁣١) إذا أدخلهم الجنة، فلا يزالون ينظرون إليه في جنته بالرضا عنه، والاستزادة مما عنده من فوائد النعم وتحف الكرامات، مع ما قال لهم ø: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ٣٥}⁣[ق]، أي: مزيد من ربهم، لا تنقطع التحف والخيرات الحسان من ربهم أبداً عنهم، وينظرون إلى ربهم في الجنة بمقعدهم وما هم فيه من الازدياد من نعيمهم والإحسان إليهم.

  وإنما يوصف الله سبحانه بنظر أوليائه إليه بهذه المعاني التي ذكرنا. ولا ينظر إلى الله أحد من أعدائه يوم القيامة بمعنى ما ينظر أولياؤه.

  ويقال في اللغة: إنما ينظر العبد إلى سيده، وإنما أنظر إلى الله ثم إليك، يريدون بذلك ما يأتي من المنظور، وعلى هذا المعنى قول الناس.

  وقال الله تبارك وتعالى يخبر عن أعدائه: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}⁣[آل عمران: ٧٧]، وفي الحالة التي لا ينظر إليهم الله يراهم، وقوله: {لَا يُكَلِّمُهُمُ} فيها⁣(⁣٢) أي: لا يسألهم، وقد كلمهم بما فيه خزيهم. وإن العالمين بالرب علم اليقين عاينوا بيقينهم القيامة، وأبصروا وجوهاً مسودة وقد علاها القتر والعبوس، جزاء بما كانوا يصنعون، فراعهم ما أبصروا بيقينهم من تلك المفضعات، فحذروا أن يكونوا من الذين قال الله: {وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ}⁣[الزمر: ٦٠]، و {عَلَيْهَا غَبَرَةٌ ٤٠ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ ٤١}⁣[عبس]، فلم يكذبوا على ربهم إذ سمعوه ø يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}⁣[الأنعام: ١٠٣]، وهذه مدحة لله وحسن ثناء عليه وتعظيم له، فاستيقنوا أن الثناء والمدح عن الله ø غير زائل في الدنيا ولا في الآخرة، وأبصروا بيقينهم في القيامة إلى وجوه ابيضت فهي ناضرة مستبشرة ضاحكة مسفرة، إلى ربها ناظرة، في روح وجنان عالية، يخبرون


(١) في نسخة: من كراماته.

(٢) أي: في الآية. (من هامش أ).