الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  فيها بصدقهم عن الله في القول والعمل له والموافقة له في الأيام الخالية، فلذلك وضع القوم كلامهم من ربهم حيث وضع الرب، ولم يقولوا بغير ما قال الله لهم، وقالوا كما قال لهم ربهم: إلى ثواب ربها ناظرة، ولم يقولوا: لربها مجاهرة.
  وإنما الشيء إذا جوهر نظر إليه بالعيان لا بالوجه؛ لأن الوجه غير العين، ولو كان ما قالوا على ما ادعوا لقال الله في كتابه: أعين إلى ربها ناظرة؛ لأن الوجه لا يرى ولا يبصر، وإنما النظر للرؤية والعينين(١) اللتين في الوجه، فهذه معان لطيفة مفصلات في النظر.
  وقد قال إبراهيم الخليل لابنه إسماعيل صلى الله عليهما: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات: ١٠٨]، وليس ذلك رؤية حس، ثم قال: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} ولم يرد إدراك العين ولا إحاطة البصر في قوله: «ماذا ترى» في الذبح(٢) أن يسلم لربه نفسه ويجود له بها، فرأى موافقة أبيه في طاعة ربه بما أمره، فأمكنه من ذبحه واستسلم لربه، وليس ذلك بنظر العين ورؤيتها.
  وكان مما احتج به القوم أن قالوا: إن موسى صلى الله عليه سأل ربه فقال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣]، وقد بينا ما أراد موسى بقوله: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف: ١٤٣]، ولم يكن ذلك سؤالاً للنظر الذي هو رأي العين بالإحاطة والتحديد جهرة، وقد رأينا الله ø ذكر في كتابه حدث موسى في قتله القبطي، وما أخبرنا سبحانه عن آدم صلى الله عليه في معصيته بأكل الشجرة، وسمعناه ø يذكر في كتابه أحداث أنبيائه مُعَيِّباً لأحداثهم، ولم يكن ما عاب من أحداثهم عند الله موبقاً ولا كبيراً، بل كانت أحداث أنبيائه صغائر ولم تكن بكبائر، وكان الله ø يؤاخذهم في عاجل الدنيا من أجل أحداثهم التي لم تكن بكبائر، حبس بعضهم في الظلمات وفي جوف الحوت،
(١) في نسخة: بالعينين.
(٢) في نسخة: الذبيح.