مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك

صفحة 186 - الجزء 1

  والعاجز الناقض ليس بالكامل التام القوي القادر، وليس العاجز الناقص بإله، فتعالى الله عن العجز والنقص.

  وقد أجمع المصلون معنا أن إلهنا ø لا تدركه الأبصار، إلا فرقة من الروافض ووافقتهم الحشوية فقالوا: إن النبي ÷ رأى ربه أبيض محمم⁣(⁣١) الشعر.

  ورووا من وجه آخر أنه رؤي في صورة الشاب المراهق مقصصاً.

  فزعم بعضهم أن هذه الرؤية كانت بالقلب، وزعم آخرون أنها كانت بعيان النظر. وقد رووا بخلاف ذلك: أن ثلاثاً من قال واحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله: ومن زعم أن محمداً رأى ربه، وفي هذا انتقاض الخبر، وإذا تناقض الشيء لم يكن بحجة، وأولاهما بحجة الحق⁣(⁣٢) أشبههما بكتاب الله.

  ويقال لهم جميعاً: أخبرونا إذ زعمتم أن النبي ÷ حين رأى ربه هل كان يقدر عقل النبي على صفة ما رأى؟!

  فإن قالوا: لا. قيل: فكان يقدر أن يتخيل ما عاين؟ فإن قالوا: نعم، جوَّزوا القدرة على صفة الله وإحاطته والتفكير فيه، والله ø يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}⁣[طه].

  وإن قالوا: لا يقدر على تخييله بقلبه. قيل لهم: فكيف يدرك ما لا يتخيل ولا يحيط به العقل؟ وهذا محال؛ لأن الإدراك أكثر من التخيل، وإذا بطل التخيل لم يصح الإدراك.

  ويقال لهم: أخبرونا إذ جوزتم أن يكون النبي ÷ رآه⁣(⁣٣)، فما يشعركم لعله قد أَسَرَّ إلى بعض أصحابه صفة تحديد، فوَرَّث ذلك الصاحب علم التحديد مَنْ بعده إلى يوم القيامة، فيكونوا لم يدركوه كما أدركه؟

  فإن قالوا: فقد يمكن أن يكون ذلك فقد عبدتم ما لا تعرفون.


(١) في المطبوع: مجمم.

(٢) في المطبوع: بحجة العقل.

(٣) في (ب): رأى ربه.