الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  والعاجز الناقض ليس بالكامل التام القوي القادر، وليس العاجز الناقص بإله، فتعالى الله عن العجز والنقص.
  وقد أجمع المصلون معنا أن إلهنا ø لا تدركه الأبصار، إلا فرقة من الروافض ووافقتهم الحشوية فقالوا: إن النبي ÷ رأى ربه أبيض محمم(١) الشعر.
  ورووا من وجه آخر أنه رؤي في صورة الشاب المراهق مقصصاً.
  فزعم بعضهم أن هذه الرؤية كانت بالقلب، وزعم آخرون أنها كانت بعيان النظر. وقد رووا بخلاف ذلك: أن ثلاثاً من قال واحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله: ومن زعم أن محمداً رأى ربه، وفي هذا انتقاض الخبر، وإذا تناقض الشيء لم يكن بحجة، وأولاهما بحجة الحق(٢) أشبههما بكتاب الله.
  ويقال لهم جميعاً: أخبرونا إذ زعمتم أن النبي ÷ حين رأى ربه هل كان يقدر عقل النبي على صفة ما رأى؟!
  فإن قالوا: لا. قيل: فكان يقدر أن يتخيل ما عاين؟ فإن قالوا: نعم، جوَّزوا القدرة على صفة الله وإحاطته والتفكير فيه، والله ø يقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ١١٠}[طه].
  وإن قالوا: لا يقدر على تخييله بقلبه. قيل لهم: فكيف يدرك ما لا يتخيل ولا يحيط به العقل؟ وهذا محال؛ لأن الإدراك أكثر من التخيل، وإذا بطل التخيل لم يصح الإدراك.
  ويقال لهم: أخبرونا إذ جوزتم أن يكون النبي ÷ رآه(٣)، فما يشعركم لعله قد أَسَرَّ إلى بعض أصحابه صفة تحديد، فوَرَّث ذلك الصاحب علم التحديد مَنْ بعده إلى يوم القيامة، فيكونوا لم يدركوه كما أدركه؟
  فإن قالوا: فقد يمكن أن يكون ذلك فقد عبدتم ما لا تعرفون.
(١) في المطبوع: مجمم.
(٢) في المطبوع: بحجة العقل.
(٣) في (ب): رأى ربه.