الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  ويقال لهم: أليس قد يمكن(١) أن يكون وارث ذلك يصفه بصفة تحديد ويُخَيِّله بقلبه على غير ما تخيله ذلك العالم بصفته؟ فقد عبدتم خلاف ما عبد النبي ÷.
  فإن احتج القوم بقول الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ}[البقرة: ٤٦] كان جوابنا أن {الَّذِينَ يَظُنُّونَ} أي: يوقنون أنهم مبعوثون بعد الموت للثواب والعقاب.
  وكذلك تأويل قوله: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا}[الكهف: ١١٠]، وقوله: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ}[العنكبوت: ٥]، أي: من كان يؤمن بالبعث فإن وعد الله ووعيده اللذين هما الجنة والنار لآت، وليس ذلك اللقاء رؤية، ولو كان لقاء رؤية لقال: من كان يرجو لقاء ربه فإن الله يُلاَقَى.
  ويسألون عن الذين كفروا ............ (٢) من لقاء ربهم، فإن قالوا: نعم لم يفرقوا بين الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم في الآخرة وبين الذين كفروا بلقاء ربهم؛ لأن هؤلاء لاقوه وهؤلاء لاقوه.
  وإذا زعموا أن اللقاء عندهم الرؤية فما الفرق بين الولي والعدو إذا كانا يلقيان ربهما واللقاء رؤية، والرؤية عندهم أفضل الثواب؟
  وإن زعموا أنهم لا مؤمنون ولا مصدقون بتكذيب الكافرين من لقاء ربهم جحدوا قول الله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ٦}[الانشقاق]، وقوله: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ}[التوبة: ٧٧]، فقد أخبر أنهم منافقون وأنهم يلقونه، وإذا زعموا أن اللقاء رؤية فالمنافق والنبي صلى الله عليه يريانه بزعمهم، إذ(٣) كان اللقاء عندهم رؤية، فما فضل ثواب النبي صلى الله عليه على عقاب المنافق؟
(١) في (أ): أليس يمكن.
(٢) هنا بياض في (أ، ب).
(٣) في (ب): إذا.