الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك
  بل لا فضل بينهما إذا اشتركا في أفضل الثواب، وهو الرؤية، وفساد هذا المعنى بَيِّن؛ وذلك لأنهم تأولوا لقاء الله تحديداً بالإحاطة، وزعموا أيضاً أن النبيين $ وغيرهم يشتبهون في لقاء الله الذي هو رؤيته، إلا أن يزعموا أن اللقاء غير الرؤية فيصيروا إلى قولنا.
  وإن هم سألوا عن التأويل للقاء الله قلنا لهم: إن الأعداء والأولياء كلهم ملاقوا ربهم، ولقاؤهم انبعاثهم من أجداثهم ومصيرهم إلى معادهم يوم محشرهم، ويوم إلى الله مرجعهم.
  وتأويل ما سألوا عنه من قول الله سبحانه: {إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥}[المطففين]، وذلك أن الله ø لا ينالهم برحمته وهم عن ربهم محجوبون، وترجمت هذه الآية آية أخرى قوله: {وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: ٧٧]، أي: نظره إلى أوليائه برحمته، ولا يسمعهم كلاماً لهم فيه سرور ولا فرح(١)، ولا ينظر إليهم أي: لا ينيلهم رحمة ولا يأتيهم بفرج.
  وقد أجمع أهل الصلاة أن الله لا ينظر إلى أعدائه، وهو يراهم في الحالة التي لا ينظر إليهم فيها، وفي ذلك دليل أن أولياءه ينظر إليهم، أي: يرحمهم، وهو يراهم وينظر إليهم برحمته، ونظرُه إلى أوليائه رحمتُه، وذلك نظره الذي كان لأوليائه ولم يكن لأعدائه. وكذلك ينظر أولياؤه إليه لا بمعنى جهرة وإحاطة منهم به، ولكن ينظرون إليه على خلاف التحديد والإحاطة، وقد قالت العرب: ما ننظر إلا إلى سيدنا.
  وأجمع المسلمون على الدعاء إلى الله أن قالوا: اللهم انظر إلينا، والدعاء على عدوهم أن قالوا: لا نظر الله إليهم، وليس ذلك سؤالاً منهم له أن لا يراهم؛ وذلك لأنهم يعلمون أن الله ø يراهم، ولم يعلموا أن الله ينظر إليهم نظر رحمة ورضا، وقد علموا أن الله ø يراهم ويرى كل شيء، وأن الأشياء كلها له جهرة، وإنما أراد المسلمون بدعائهم الله أن ينظر إليهم: أن يكرمهم ويجود برحمته عليهم.
(١) في (أ، ب): ولا فرج.