مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ما اعتل به المشبهة والجواب عليهم]

صفحة 195 - الجزء 1

[ما اعتل به المشبهة والجواب عليهم]

  ولقد ضل قوم ممن ينتحل الإسلام من المشبهة الملحدين الذين شبهوا الله عز ذكره بخلقه، وزعموا أنه على صورة الإنسان، وأنه جسم محدود، وشبح مشهود، واعتلُّوا بآيات من الكتاب متشابهات حرفوها بالتأويل، ونقضوا بها التنزيل، كما حرف من كان قبلهم من اليهود والنصارى كلام الله عن مواضعه، وبأحاديث افتعلها الضلال، من بغاة الإسلام، فحملها عنهم الجهال، فيها الإلحاد والكفر بالله، وأحاديث لم يعرفوا حسن تأويلها، ولم يعنوا بتصحيحها، فضلوا وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل.

  فكان مما تأولوا قول الله ø: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ٢٢ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ٢٣}⁣[القيامة]، فقالوا: إن الله ø يرى بالأبصار في الآخرة، وينظر إليه جهرة، خلافاً لقول الله جل ثناؤه: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}⁣[الأنعام: ١٠٣]، جهلاً بمعاني الآية وتأويلها.

  فأما أهل العلم والإيمان ففسروها على غير ما قال أهل التشبيه المنافقون، فقالوا: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَة} يقول: مشرقة حسنة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}، يقول: منتظرة ثوابه وكرامته ورحمته، وما يأتيهم من خيره وفوائده. وهكذا ذلك في لغات العرب، وبلغاتها ولسانها نزل القرآن، يقولون إذا جاء الخصب بعد الجدب: قد نظر الله جل ثناؤه إلى خلقه، ونظر لعباده، يريدون أنه أتاهم بالفرج والرخاء، ليس يعنون أنه كان لا يراهم ثم صار يراهم.

  وقال الله جل ذكره وهو يذكر أهل النار: {أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}⁣[آل عمران: ٧٧]، تأويل ذلك: أنهم لا يرجون من الله جل ثناؤه ثواباً، ولا يفعل لهم خيراً، وأهل الجنة ينظر الله إليهم وينظرون إلى الله جل ثناؤه، ومعنى ذلك أنهم يرجون من الله خيراً، ويأتيهم منه خير ويفعله بهم، ليس معنى ذلك أنهم ينظرون إليه جهرة بالأبصار، عز ذو