[ما اعتل به المشبهة والجواب عليهم]
  الجلال والإكرام، وكيف يرونه بالأبصار وهو لا محدود ولا ذو أقطار؟ كذلك جل ثناؤه لا تدركه الأبصار، ومن أدركته الأبصار فقد أحاطت به الأقطار، ومن أحاطت به الأقطار كان محتاجاً إلى الأماكن وكانت محيطة به، والمحيط أكبر من المحاط به، وأقهر بالإحاطة، فكل من قال: إنه ينظر إليه جل ثناؤه على غير ما وصفنا من انتظار ثوابه وكرامته فقد زعم أنه يدرك الخالق، ومحال أن يدرك المخلوقُ الخالقَ جل ثناؤه بشيء من الحواس؛ لأنه خارج من معنى كل محسوس وحاس، فلذلك نفى الموحدون عن الله جل ثناؤه درك الأبصار وإحاطة الأقطار وحُجُبَ الأستار، فتعالى الله عن صفة المخلوقين علواً كبيراً، لا إله إلا هو رب العالمين.
  وتأولت أيضاً المشبهة قول الله تبارك وتعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥]، وقوله: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}[الزمر: ٦٧]، وقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢}[الفجر]، وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}[النساء]، وقوله: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ ٦١}[الحج]، وقوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٢٨]، وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص: ٨٨]، ففسروا ذلك على ما توهموا من أنفسهم، وبأن الله ø عندهم في ذلك كله على معاني المخلوقين وصفاتهم في هيئاتهم وأفعالهم، فكفروا بالله العظيم، وعبدوا غير الله الكريم.
  وتأويل ذلك كله عند أهل الإيمان والتوحيد: أن الله ø ليس كمثله شيء، فأما قوله تبارك وتعالى: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}، يعني: بقدرتي وعلمي، يريد أني على ذلك قادر وبه عالم، توليت ذلك بنفسي لا شريك لي في تدبيري وصنعي، لا أن قدرتي وعلمي ونفسي غيري، بل أنا الواحد الذي لا شيء مثلي. وقد بين معنى هذه الآية في آية أخرى فقال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٥٩}[آل عمران]، وقال جل ثناؤه: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٤٠}[النحل]، يريد إذا كوَّنَّا شيئاً