[ما اعتل به المشبهة والجواب عليهم]
  ومعنى قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ٢٢}، يقولون: جاء الله جل ثناؤه بآياته العظام في مشاهد القيامة، وجاء بتلك الزلازل والأهوال، وجاء بالملائكة الكرام، فتجلت الظُّلَم، وانكشفت عن المرتابين البُهَم، وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون، وليس قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} أنه جاء من مكان، ولا أنه زائل أو حائل أو منتقل من مكان إلى مكان، أو جاء من مكان إلى مكان، تبارك الله وتعالى عن ذلك، بل هو شاهد كل مكان، ولا يحويه مكان، وهو عالم كل نجوى، وحاضر كل ملأ.
  كذلك قوله: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}[البقرة: ٢١٠] كما قال جل ثناؤه: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ ٤٩}[يس]، وكذلك قال جل ثناؤه: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ}[النحل: ٢٦]، وقال: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا}[الحشر: ٢]، يعني بذلك كله: أنه أتاهم بعذابه وأمره، ليس أنه أتاهم بنفسه زائلاً، وكان في مكان فكان عنه منتقلاً. وكذلك يقول القائل للرجل إذا جاء بأمرٍ عجيب: لقد أتيت بأمر عظيم، ولقد أتى فلان أمراً عجيباً، يريدون: أنه فعل شيئاً أعجبه، فذلك تأويل المجيء من الله جل ثناؤه، لا هو بالانتقال ولا بالزوال؛ لأن الزائل مدبَّر محتاج، لولا حاجته إلى الزوال لم يزل، فلذلك نفى الموحدون عن الله جل ثناؤه الزوال والانتقال.
  وقوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ١٦٤}[النساء] فذهبت المشبهة إلى أن الله تعالى عما قالوا علواً كبيراً: تكلم بلسان وشفتين، وخرج الكلام منه كما خرج الكلام من المخلوقين، فكفروا بالله العظيم حين ذهبوا إلى هذه الصفة.
  ومعنى كلامه جل ثناؤه لموسى ~ عند أهل الإيمان والعلم: أنه أنشأ كلاماً خلقه كما شاء، فسمعه موسى صلى الله عليه وفهمه، وكل مسموع من الله جل ثناؤه فهو مخلوق؛ لأنه غير الخالق له، وإنما ناداه الله جل ثناؤه فقال: {إِنِّي