مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

[ما اعتل به المشبهة والجواب عليهم]

صفحة 199 - الجزء 1

  أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ٣٠}⁣[القصص]، والنداء غير المنادي، والمنادي بذلك هو الله جل ثناؤه، والنداء غير الله، وما كان غير الله مما يعجز عنه الخلائق فمخلوق؛ لأنه لم يكن ثم كان بالله وحده لا شريك له.

  وكذلك عيسى ~ كلمة الله وروحه، وهو مخلوق كما قال الله في قوله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ٥٩}⁣[آل عمران].

  وكذلك قرآن الله وكتب الله كلها، قال الله جل ثناؤه: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا}⁣[الزخرف: ٣]، يريد: خلقناه، كما قال: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}⁣[الزمر: ٦]، يقول: خلق منها زوجها، وقال جل ثناؤه: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ٢ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}⁣[الأنبياء]، وقال تبارك وتعالى: {فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ}⁣[القلم: ٤٤]، وقال سبحانه: {أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ١١٣}⁣[طه]، فكل محدث من الله جل ثناؤه فمخلوق؛ لأنه لم يكن فكان بالله وحده لا شريك له، فالله أول لم يزل ولا يزول.

  وأما قوله: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} فمعنى ذلك: أنه لا تخفى عليه الأصوات ولا اللهوات، ولا غيرها من الأعيان أين ما⁣(⁣١) كانت وحيث كانت، في ظلمات الأرض والبر والبحر، ليس يعني: أنه سميع بصير بجوارح أو شيء سواه فيكون محدوداً، أو يكون معه غيره موجوداً، تعالى الله عن ذلك.

  وأما قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}⁣[القصص: ٨٨] وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}⁣[الرحمن: ٢٧] فإنما يعني: إياه لا غير يقول: كل شيء هالك إلا هو.

  وقوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} ليس يعني بذلك: وجهاً في جسد، ولا جسداً ذا وجه، تعالى الله عن هذه الصفات التي هي في المخلوقين موجودات.


(١) «ما» ساقطة من (أ).