[العدل وما يتعلق به]
  وأما قوله: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}[آل عمران: ٣٠] يريد: يحذركم الله إياه لا غيره. وقوله: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦] يريد: تعلم أنت ما أعلم، ولا أعلم أنا ما تعلم إلا ما علمتني، ليس يعني: أن له نفساً غيره بها يقوم، تعالى عن ذلك. وقد يقول القائل: هذا نفس الحق، ونفس الطريق، وكذلك: هذا وجه الكلام، ووجه الحق، يريدون بذلك كله: هو الحق، وهذا هو الكلام، وهذا هو الطريق، ليس يذهبون إلى شيء غير ذلك، تعالى الله عن صفات المخلوقين علواً كبيراً، هو الذي لا كفؤ له ولا نظير له، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ١١}.
  فكل من وصف الله جل ثناؤه بهيئات خلقه، أو شبهه بشيء من صنعه، أو توهمه صورة أو جسماً أو شبحاً(١)، أو أنه في مكان دون مكان، أو أن الأقطار تحويه، أو أن الحجب تستره، أو أن الأبصار تدركه، أو أنه لم يخلق كلامه وكتبه، والقرآن وغيره من كلامه وأحكامه، أو أنه كشيء مما خلق، أو أن شيئاً من خلقه يدركه مما كان أو يكون بجارحة أو حاسة فقد نفاه وكفر به وأشرك به، فافهموا ذلك، وفقنا الله وإياكم لإصابة الحق، وبلوغ الصدق.
[العدل وما يتعلق به]
  وعلى العبد إذا وحَّد الله جل ثناؤه وعرف أنه ليس كمثله شيء أن يتَّقيه في سره وعلانيته، ويرجوه ويخافه، ويعلم أنه عدل كريم، رحيم حكيم، لا يكلف عباده إلا ما يطيقون، ولا يسألهم إلا ما يجدون، ولا يجازيهم إلا بما يكسبون ويعملون، وهكذا جل ثناؤه قال، يدل بذلك على رحمته لنا وإحسانه إلينا: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، و {إِلَّا مَا آتَاهَا}[الطلاق: ٧]، وقال جل ثناؤه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغابن: ١٦]، وقال تبارك وتعالى: {وَلِلَّهِ
(١) في (أ): أو شخصاً.