[العدل وما يتعلق به]
  عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران: ٩٧]، فلم يكلف الرحيم الكريم أحداً من عباده ما لا يستطيع، بل كلفهم دون ما يطيقون، ولم يكلفهم كل ما يطيقون، وعذرهم عند ما فعل بهم من الآفات التي أصابهم بها، ووضع عنهم الفرض فيها، فقال لا شريك له: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ}[الفرقان: ٦١]؛ لأنهم لا يقدرون أن يؤدوا ما افترض الله عليهم، ولم يقل جل ثناؤه: ليس على الكافر حرج ولا على الزاني حرج ولا على السارق حرج؛ وذلك أنه لم يفعل ذلك بهم ولم يدخلهم فيه، ولم يقض ذلك ولم يقدره؛ لأنه جور وباطل، والله جل ثناؤه لا يقضي جوراً ولا باطلاً ولا فجوراً؛ لأن المعاصي كلها باطل وفجور وجور، والله يتعالى أن يكون لها قاضياً ومقدراً، بل هو كما وصف نفسه جل ثناؤه إذ يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ٥٧}[الأنعام]، بل قضاؤه فيها كلها النهي عنها، والحكم على أهلها بالعقوبة والنكال في الدنيا والآخرة، إلا أن يتوبوا فإنه يقبل التوبة ويعفو عن السيئات.
  أليس قال جل ثناؤه في الصيام: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، فوضع عن المرضى الصيام؛ لأنهم لا يقدرون عليه، ووضعه عن المسافر وإن كان يقدر عليه، يخبرهم أنه إنما يفعل ذلك لأنه يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، ووضع عنه الصلاة قائماً إذا لم يقدر على القيام، وأباح له أن يصلي جالساً، وإن لم يقدر على الصلاة جالساً صلى مضطجعاً أو مستلقياً، فإن لم يقدر على شيء من ذلك بشيء من جوارحه فلا شيء عليه، فعل ذلك رحمة ونعمة ونظراً لعباده.
  ومن لم يكن له مال فلا زكاة عليه، وإن كان ذا مال فحال عليه الحول وهو مائتا درهم فعليه خمسة دراهم، فإن نقص من مائتي درهم شيئاً قلَّ أو كثر فلا شيء عليه فيها. وكل أمرٍ لا يستطيقه العبد فهو عنه موضوع، وكُلِّف مما يستطيع