أصول العدل والتوحيد
  المضيقة التي لا يُعذر عن اعتقادها والنظر في معرفتها عند كمال الحجة أحدٌ من العبيد، فمن مُكِّن بعد بلوغه وكمال عقله وقتاً يكمل فيه معرفة العدل ويمكنه فتعدى إلى الوقت الثاني وهو جاهل بهذه الجملة فقد خرج من حد النجاة، ووقع في بحور الهلكات، حتى يستأنف التوبة ويقلع عن الجهل والغفلة بالنظر في معرفة هذه الجملة التي لمعرفتها خلق الله الخلق، وهي [فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي الدين القيم التي تعبد الله كل مفطور بها، كما قال الله تبارك وتعالى](١): {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٠}[الروم].
  والدين القيم: فهو المستقيم الواصب الثابت الدائم المتصل، وذلك قوله تعالى: {وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا}[النحل: ٥٢]، يريد منصباً مُتعِباً، وهو التوحيد والخلصانية التي لا تزول عن قلوب المتعبدين العارفين بالله المخلصين بزوال سائر الشريعات(٢) التي تزول بزوال الاستطاعات، والعلل المانعات عن القيام بالفروض الشرعيات.
  ثم اعلم أن هذه الجملة هي أصل التوحيد، فكل ما ورد من الشرح والكلام فهو مردود إلى هذا الأصل الذي أجمع عليه أهل القبلة، فما ورد عليك من فروع الكلام والشرح يؤيد لك أصول دينك اعتقدته، ودنت الله به، وما ورد عليك مما ينقض الأصل تركته واعتزلته، فإن بذلك صحَّت المقالة لأهل الفرقة الناجية.
  فالواجب على الطالب لنجاته حراسة الأصول من النقض لها بالتفسير، حتى لا ينقضها بالتفسير طول عمره مضطرباً في عمارة التوحيد، برد الفرع إلى أصله،
(١) ما بين المعقوفين من نسخة.
(٢) الشرعيات (نخ).