مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 247 - الجزء 1

  فنفى سبحانه عن نفسه قليل النوم من السِّنة نفيه للكثير؛ تَبَرِّياً منه وتعالياً عن مشابهة الأشياء كلها في معنى من معانيها كبير أو صغير. والحي: فهو الذي لا يغيره أبدٌ ولا دهر، والقيوم: فهو الدائم الذي لا يُلم به تبدل ولا تغيُّر. وكذلك قال لرسوله ÷: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢}⁣[الإخلاص]، ثم قال في آخر السورة: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}، والصمد: فهو الذي ليس من ورائه مصمود ولا معمد⁣(⁣١)، وليس بعده في جلال ولا كبرياء بعدٌ، والأحد: فهو الواحد الذي ليس بشيئين اثنين، جزأين كانا أو غير جزأين، ولا يُتوهم أبداً سبحانه بمعنيين متغايرين أحدهما في الجزئية غير الآخر، فيوصفان بالتباين والتغاير.

  فلا يخلو كل واحد من الجزأين من أن يكون قادراً على حياله أو عاجزاً عن مبلغ قوة الجزء الآخر في قدرته ومثاله، فإن كان الجزء عاجزاً لم يكن رباً ولا قوياً، وإن كان قادراً قدرتَه كان له في الربوبية مساوياً، فكانا جميعاً ربين اثنين، وإلهين متساويين، وكان في ذلك الخروج من وصف الله بالوحدانية، ومما وصف به نفسه من التفرد بالربوبية، فلم يكن في قولهم⁣(⁣٢) إلهاً واحداً، وعاد في وصفهم كثيراً عدداً.

  ومن دلائل الهدى والحق في بُعد ربنا من مشابهة الخلق ما يقول الله سبحانه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ٣}⁣[الحديد]، وكيف يكون لمن كان أولاً آخراً وظاهراً باطناً من الأشياء شبيه أو نظير؟ أو يعتقد ذلك في من كان كذلك أبداً عقل صحيح أو ضمير؟!

  وأول الأشياء أبداً غير آخرها، وباطن الأشياء أبداً فغير ظاهرها، فكفى بما


(١) في (أ): معتمد.

(٢) قوله #: «فلم يكن في قولهم»: أي أن الله تعالى بناء على مذهبهم ليس إلهاً واحداً. (من خط السيد العلامة المجتهد محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله).