مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 252 - الجزء 1

  ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}⁣[البقرة: ٢٥٥]، وتأويل يؤده فهو يثقله، فهو لا يثقله حفظ ما هو من السماوات والأرض مالك له.

  وكذلك تأويل: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ١٢ إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ ١٣}⁣[البروج]، و {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}⁣[الدخان: ١٦]، وليس يتوهم في كبرها طول ولا عرض في ذرعها ولا قدرها، ولا يتوهم أن القبضة والبطش من الله على ما يعرف من الآدميين ببنان ولا كف، وكذلك لا يُتوهم أن الكرسي والعرش ذو قوائم ووسط وطرف، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}⁣[هود: ٧]، تأويل ذلك: وكان ملكه على الماء، كما كان عرشه الذي هو ملكه بعد خلقه للسماء على السماء.

  وكذلك ذكر أن كرسيه قد وسع السماوات والأرض كلها، ولم يذكر أنه جعل الكرسي موضعاً لها، بل ذكر أنها كلها فيه، ولم يذكر أنه هو⁣(⁣١) فيها، فكان ذلك من الدلالة على أن الحفظ والملك هو الكرسي بعينه، لا ما يتوهم مَن عَمِي عن تنزيل الله في ذلك وتبيينه، وإنما ذكر الله الكرسي والعرش دلالةً للعباد بذكرهما على ما ذكرنا إن شاء الله من أمرهما.

  وإنما فَهَّم الله جل ثناؤه عبادَه، وأبان لهم في كثير مما نزل الله من آياته رشادَه، بما ضَرَبَ لهم في ذلك من الأمثال، وذَكَرَ برحمته من شَبَهٍ ومثال، وأمثالُ الأشياء ومثلها وفروعُ الأشياء وأصولها فليست بالأشياء أنفسها، ولا بأعيان ما مُثِّل بها، ولكنها أشباه ونظائر يستدل عليها مَن فكَّر بعون الله فيها.

  وفيما ذكر الله سبحانه من ضربه للأمثال، وما فيها للمؤمنين من الهدى والاستدلال ما يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً


(١) «هو» ساقطة من (أ).