صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ٢٦}[البقرة]، ولا يهتدي لذلك إلا من اتقاه كما قال تبارك وتعالى: {الم ١ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ٢}[البقرة].
  فليس يرتاب والحمد لله في الكتاب أحدٌ من أهل التقى والألباب، فالحمد لله رب العالمين كثيراً على ما نوَّر لأهل التقى بكتابه من الهدى تنويراً.
  وفيما ضرب سبحانه للناس من الأمثال فيما نزل سبحانه من القرآن ما يقول تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ٢٧}[الزمر]، ويقول سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ٤٣}[العنكبوت]. وكذلك فقد يجوز الفكر في الكرسي والعرش، وما ذكره الله له من القبضة والبطش، فينفى عنه ﷻ في قليل ذلك وكثيره مشابهة كبير خلقه وصغيره، كما ينفى عنه فيما ذكر من صفاته لنفسه مشابهة جن الخلق وإنسه، كما قال سبحانه: {خَبِيرٌ بَصِيرٌ ٢٧}[الشورى]، ولا يمثل في ذلك من خلقه بالمختبرين المبصرين، وقيل: كبير وقدير، ولا يشبه بكبير الأشياء في الطول والعرض ولا بالمقتدرين، وكما قال سبحانه: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ٧٤}[الواقعة]، وقال: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}. ولا يشبه في العِظَم بِعِظَم جثة ولا جسم، ولا يمثل في الرحمة أرحم الراحمين بمن كان رحيماً من الآدميين، ومتى توهم ذلك متوهِّم أو اعتقده في الله فهو صاغراً(١) من المنكرين لله.
  وكذلك صفات الله(٢) وأسماؤه كلها الحسنى، فتعالى فيها كلها عن شبه الخلق في كل معنى.
(١) في (أ): صاغر.
(٢) في (أ): وكذلك صفاته وأسماؤه.