مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 254 - الجزء 1

  وكذلك قبضته وبطشه وكرسيه وعرشه، فلا يتوهم عرشه وكرسيه ذا قوائم وأركان، ولا يتوهم قبضته وبطشه بكف ذات بنان، ومتى ما توهم ذلك متوهم أو اعتقده في الله فهو مشرك لا شك بالله، وبريء من توحيد الله ومعرفته؛ إذ أشرك غيره في صفته.

  وتأويل الكرسي والعرش لرب العالمين فغير تأويليهما⁣(⁣١) في الآدميين؛ لأن تأويلهما في بني آدم، وفيما يحاط به لهم فيهما من العلم - إنما هو مقعد المَلِك، وآلةٌ من آلات المُلك، تحمل للملك أو يوضع له دعائم ثماني أو أربع⁣(⁣٢)، والكرسي والعرش لله فإنما هما ملك الله وسلطانه، وتمكُّن الله من الأشياء واستمكانه، وقدرة الله سبحانه وملكه منها لما لم يكن كقدرته وملكه لما قد كان، وذلك فما لا يصف به من قال صدقاً إلا اللهَ الرحمنَ. وكل من اعتقد التشبيه لله بشيء في وهمه فقد برئ من الإيمان بالله وحكمه، وزال عنه اسم التوحيد، وكان منه أبعد بعيد، لا تحل له ذبيحة ولا موالاة ولا مناكحة.

  وفي العرش وما ذكرنا من أمره، وما قلنا به فيه من التأويل عند ذكره، وأنه هو القدرة لله والملك الذي ليس فيه لغير الله شرك - ما يقول الله لا شريك له: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ١١٦}⁣[المؤمنون]، ويقول سبحانه لرسوله ÷: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ١٢٩}⁣[التوبة]، وتأويل - إن شاء الله - ذلك الصحيح المستقيم؛ إذ هو العرش العظيم الكريم، فإنما هو كرم ملك الله وعِظَمُه، لا طول العرش ولا عرضه ولا ضِخَمه، وما في عظمه - لو كان كما قالوا - وطوله⁣(⁣٣) وعرضه ما يكون به وإن عظم واتسع أعظمَ ولا أوسع من


(١) في (أ): تأويلهما.

(٢) في (أ): وأربع.

(٣) في (أ): أو طوله.