مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 255 - الجزء 1

  سماء الله وأرضه، ولو كان ذلك كما قالوا كذلك لكان عظمه في الإكبار والإجلال دون عظم السماء والأرض والجبال.

  وإني لأحسب - والله أعلم - أن الهدهد حين أنبأ بِعِظَم عرش ملكة سبأ ما أراد بالعرش وذكره إلا عظم ملكها وكبر قدره، ألا تسمع قوله: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ٢٢ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ٢٣}⁣[سبأ]، فذكر ملكها لهم وما أوتيت، وهو ما أعطيت من كل شيء، ثم قال: {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}، وهذا إن كان إياه أراد كما قلنا فهو الإكبار لها والتعظيم، وإلا فما في عظم عرشها أو سريرها من التعظيم لها أو لأمرها ومن⁣(⁣١) الكبر لقدرها.

  وقوله سبحانه: {ذُو الْعَرْشِ}⁣[غافر] فتأويله: ذو الملك، لا يتوهم أن ذلك كرسي منصوب، لقوائمه في جوانبه ثقوب. ومثل ما ذكرنا في العرش من التمثيل للعباد بما يعرفون، لا على ما يعلمون من خواص أحوالهم ويوقنون مما جل تبارك وتعالى عن مماثلتهم فيه، أو أن يقع شيء من حقائق صفاتهم به عليه ما يقول سبحانه: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}⁣[الزمر: ٧٥]، وذلك فمقام الحكم في يوم القيامة والبعث وموقف الجزاء مِن الله والقضاء بدائم السخطة منه والارتضاء.

  وفي ذلك أيضاً ومثله من موقف حكمه وفصله ما يقول سبحانه: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ١٧ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ١٨}⁣[المعارج]، وذلك فيوم العرض للعباد على المليك العلي، الذي علا وتقدس عن مشاركة كل شريك، يمثل ذلك سبحانه لهم بما قد رأوا وعرفوا وأبصروا من ملوك الدنيا إذا عرضوا فحكموا وقضوا كيف تنصب لهم يوم


(١) في (أ): أو من الكبر.