مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 256 - الجزء 1

  ذلك عروشهم وكراسيهم للقضاء في أهل مملكتهم ومَن تحت أيديهم.

  وكل ما أمكن في العرش والكرسي من التمثيل فقد يمكن - والحمد لله - في حملة العرش مثله من التأويل⁣(⁣١)، وكذلك فقد يكون ذكر الله العرش⁣(⁣٢) وحملته من التمثيل في موقف الحكم والقضاء والتفصيل على ما قد رأوا من ملوك الدنيا في الدنيا وعرفوا، لا على ما قال الجاهلون بالله ووصفوا. وكما جاز ذكر العرش للقضاء والفصل فقد يجوز مثله فيما ذكر للعرش من الحمل، ولا تقبل العقول أن الله محمول كما يُعرف من حمل شيء على سرير أو عرش أو كرسي! ومن قال بذلك أو اعتقده فهو بالله من الجاهلين، وعن المعرفة لله من الضالين.

  وكيف يُتوهم مَن رفع - تبارك وتعالى - السماوات بغير عمد، وأمسكها وأقامها في الأهوية بغير عُلق ولا سند، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}⁣[فاطر]، وقال تبارك وتعالى: {رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ}⁣[الرعد]، ثم قال جل ثناؤه: {تَرَوْنَهَا}، يعني سبحانه: تعاينونها وتبصرونها غير معمودة من تحتها بعَمَد، ولو كانت كذلك لرأى ذلك من أهل الأرض كل أحد، فكيف يكون مَن حملها سبحانه محمولاً، أو يكون ذلك عليه في القول مقبولاً؟

  وما ما⁣(⁣٣) ذكر سبحانه من العرش والكرسي وبُعدِه في ذكرهما من مشابهة كل شيء إلا كما ذكر سبحانه من إمساكه وإقامته لما ذكر من أرضه وسماواته، لا يتوهم إمساكه لذلك ببنان ولا كف قابضة، تقدس في ذلك عن كل صفة محدثة عارضة. ولئن لم يتأولوا العرش لرب العالمين إلا على ما رأوا من عروش الآدميين ما لهم أن يتأولوا رفع السماوات والأرض إلا على مثال ما يعرفون من


(١) في (أ): في التأويل.

(٢) في (أ): العرش.

(٣) هكذا في (أ)، وفي (ب): وما ذكر.