صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  الآدميين ويتوهمون.
  وكذلك يلزمهم أن يتوهموا صنع الله جل ثناؤه لِمَا صنع كصنع مَن خَلقَ الله من الآدميين وابتدع، فيشبهون الله تعالى بالخلق، ويقولون عليه بغير الصدق، فَيَبِينُ بإذن الله أمرهم، ويظهر بالله كفرهم، ولا يخفى شركهم ولا يستَتِر، ولا يتوارى عند من عرف الله ولا يستسرّ، فنستجير بالله من العمى والضلالة، ومن الحيرة عن الله والجهالة.
  وما الذي ذكر الله سبحانه في التمثيل من عرشه وحمله إلا كما ذكر الله من حبله، إذ يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا}[آل عمران: ١٠٣]، و {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ}، فهل يُتوهم ذلك حبلَ مسد، أو حبلاً من سواه يحصد(١).
  ومثل ذلك قوله سبحانه: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}[البقرة: ٢٥٦]، فهل يتوهم أو يرى أن ذلك عروة من العرى التي تكون من شعر أو ليف أو لحاء من شجر، قد أُمِرَّ(٢) ذلك وعقد بما يعرف له من المِرَّة والعقد؟ فلا يتوهم ذلك - والحمد لله - ولا يراه أحدٌ من خلق الله رأيناه ولا علمناه.
  وما ما ذكر الله من العرش والكرسي وحُمَّاله إلا مثلٌ ضربه الله من أمثاله، فرحم الله عبداً فَهِمَ عن الله وحَقِّه، فنفى عنه شِبْهَ جميع خلقه. ولئن لزم الكرسي والعرش أن يكونا كالكراسي والأسرة المنصوبة ليلزمنَّ مثل ذلك في تأويل رفيع الدرجات، فتكون الدرجات عتبة بعد عتبة، وذلك فما لا يتوهمه صحيح سوي، ولا ضعيف في العلم ولا قوي، وما ما يسمع من هذا ومثله إلا أمثلة مضروبة، فهي والله المستعان في قلوب الجاهلين بالله محرفة مقلوبة، فهم فيها والحمد لله لا
(١) في (أ): محصد.
(٢) أمررت الحبل والخيط: فتلته فتلاً شديداً. (مصباح).