مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي،

القاسم بن إبراهيم الرسي (المتوفى: 246 هـ)

صفة العرش والكرسي وتفسيرهما

صفحة 258 - الجزء 1

  يعقلون ولا يعلمون، كما قال سبحانه: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ ٤٣}⁣[العنكبوت].

  وفي ذكر التمثيل والأمثال ما يقول الله ذو العزة والتعال: {قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ}⁣[النحل: ٢٦]، فذكر الإتيان وليس يُتوهم إتيان الله إتيان مجي، ولا يُتوهم ما ذكر من البنيان أنه بنيان مبني، ولا يتوهم السقف الذي ذكره الله سقفاً مرفوعاً، ولا قواعد بنيانهم التي هي أساسه أساساً موضوعاً من حجر، ولا طين ولا مدر، ولكنه مثل وتمثيل صادق، مثَّله العزيز الخالق، الذي أصدقُ الأقوال أقواله، وأصح الأمثال أمثاله. وكذلك فقد يمكن ما قلنا وفسرنا في الكرسي والعرش على ما مثلنا وذكرنا.

  ولفي التمثيل لهم بما يعرفون من الأمثال ما يقول في كتابه ذو الكبرياء والجلال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ٧]، فلا يتوهم ختم بخاتم ولا طين، ولا يتأوله كذلك من يفرق بين لَبسٍ وتبيين.

  ومثل ذلك قوله سبحانه: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ}⁣[الأنعام: ٢٥] ولا يتوهم أحد وإن جهل وجفا الأكنة أغطية وغُلُفاً.

  وكذلك قوله : {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}⁣[الإسراء: ٢٤]، {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}⁣[القصص: ٣٢]، فهل يتوهم الجناح في ذلك كله كجناح طائر إلا كل أحمق من السامعين عَمٍ حائر. وما في هذا ومثله من الأمثال فيكثر عن أن نذكره في مقال، فنعوذ بالله من العمى والحيرة، ونستمتعه بما وهبه⁣(⁣١) من الهدى والبصيرة، فإنا في دهر عمٍ تمكن فيه الجهلة العمون، فقالوا على الله تبارك وتعالى بما لا يعلمون، وخرجوا بمقالتهم في الله


(١) في (أ): وهب.