صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  من حقيقة توحيد الله وهم لا يشعرون.
  فإن قال قائل: فما وجه التسمية في الحمل للعرش لعدة {ثَمَانِيَةٌ}، وما تأويل {فَوْقَهُمْ}؟
  قيل: أما فوقهم فهو أعلى الحُمَّال ورؤوسُهم، وأما ثمانية فإني أحسب - والله أعلم - أن أكرم ما كان يَعرِفُ الأولون عندهم من العروش والكراسي التي كانت تتخذ فيما خلا لملوك الأمم في الزمان الماضي ما كان من العروش ذا ثماني قوائم، في كل ركن منه قائمتان، فتلك قوائم حينئذٍ ثمان، قائمتان في كل طرف من الطرفين، وقائمتان في كل جانب من الجانبين.
  ولما كان عند الأولين حمل ثمانية حُمَّال عرشَ كلِّ ملك ذي قدرة في المملكة والجلال أكبر في التعظيم والإجلال عند الحُمَّال وعند غيرِهم من أهل المملكة، ومن وصل إليه ذلك من الجبابرة المتملكة أن يكون عرش الملك محمولاً على الرؤوس، وكان ذلك أجلَّ للملك في النفوس - كانت كل قائمة من قوائم عرش الملك إذا حُمِلَ العرشُ محمولة على رأس حامل واحد، فتلك يا بني - هداني الله وإياك - حينئذٍ ثمانية سواء في العدد، فهذا - والله أعلم - عندي وجه التسمية لما سمي في الحمل للعرش من الثمانية.
  وإنما ضرب الله للعباد الأمثال بما يعرفون من الأشياء على قدر ما قد رأوا منها في الدنيا التي لم يروا قط شيئاً إلا فيها، ففهمهم الأمثال بها وعليها، وبالله لا شريك له نستعين على ما أبان وبيِّن من قصص آياته وأحاديثها، وقديم دلائله وحديثها.
  ومن ذلك يا بني الأمثال التي مثَّلها وفصَّلها تبارك وتعالى في كتابه ونزَّلها ما يقول سبحانه: {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ٢٩}[القيامة]، ولا يتوَّهَّم الساقَ ساقَ رجلٍ أحدٌ ممن له أدنى عقل.
  وقال سبحانه: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ٨}[المدثر]، ولا يتوهم أحد ذلك