صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  كالناقور المنقور.
  وكذلك قوله جل ذكره: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}[الكهف: ٩٩]، ولا يتوهم ذلك بوقاً ولا قرناً من القرون إلا كل مختبل من الناس مجنون.
  ومثل ذلك قوله: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ}[التوبة: ١٠٩]، ولا يتوهمه جرفاً من الجرفة إلا من لم يهبه الله في ذلك شيئاً من الهدى والمعرفة، وإنما الجرفُ من الأرض المعروفُ جانبُ الوادي أو ما كان من الأرض له حروف(١).
  ومثل(٢) ذلك من الأمثال ما تقول قريش للرسول(٣) #: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}[فصلت: ٥]، ولا تتوهم الأكنة أغطية ولا لُبساً، ولا يُتوهم الوقر صمماً، ولا ما ذكره الله من بُكم الكفار خرساً، إذ يقول سبحانه: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ١٨}[البقرة]، ولا يتوهم الحجاب ستراً مضروباً، ولا بنياناً من الأبنية منصوباً.
  وفيما ضرب الله من الأمثال ما يقول سبحانه: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ٢٤}[محمد]، ولا يَتَوَهَّمُ ذلك أقفالاً من حديد إلا كُلُّ أخرقَ أحمقَ بليدٍ.
  وما في هذا من الأمثال والبيان فيما جعل الله للعرب من اللسان فيكثر عن الاستقصاء، والتعديدِ له والاحصاء، لا يلتبس(٤) - والله محمود - على من يعقل وإن لُبِّس وغُطِّي، ولا يخفى مخرجه وبيانه إلا على مَن ضلَّ وعمي، فنعوذ بالله من العمى والضلال عما ضرب الله برحمته لنا من الأمثال. فكم من جاهل حائر قد عمي يرى أنه في جهله قد هُدي، أو سامري يقول لا مساس لا يعرف البيان
(١) في (أ): حرف.
(٢) في (ب): وفي مثل.
(٣) في (أ): للنبي.
(٤) في (أ): لا تلبيس.