صفة العرش والكرسي وتفسيرهما
  ولا الالتباس، كالبهائم الغافلة المهملة التي لا تفرق بين هادية من الأمور ولا مضلة، فهم كما قال الله سبحانه لقوم يعقلون: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ١٧٩}[الأعراف].
  قلت: فما تأويل: {حَافِّينَ}؟
  فقال: ما حافُّون في التأويل إلا كالكرسي والعرش وحملته في التمثيل، والملائكة يا بني فحافُّون يومئذٍ بمقام الحكم والتفصيل، كما قد عرف أهل الدنيا أن الملك منهم إذا حكم وقضى أحف بعرشه الذي هو الكرسي يوم يحكم ويقضي من يختار من أهل مملكته ويرتضي، فمثَّل سبحانه لهم مقام حكمه وفصله بما قد عرفوا في الدنيا من مثله، وليس يتوهم مَن يعقل العرشَ والكرسيَّ سريراً محمولاً، ولا منبراً منصوباً معمولاً.
  ومثل ذلك مما يعرف الناس من الأمثال في أمورهم قوله سبحانه: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ}[الأنعام]، فذكر سبحانه ما ذكر في هذا الذكر من الأوزار والحمل، ولا يتوهم ذلك من له أدنى عقل حملاً كحمل الأحمال على ما يعرف(١) من ظهور الجمال؛ ولا كعبو محمول، ولا كور منقول، وإنما هو مثل من الأمثال معقول، تعرفه الألباب والعقول، وقد علم الناس أن كل عبء أو وزر(٢) إنما يحمل على عنق أو ظهر.
  وكذلك قوله سبحانه: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: ٢٩]، ولا يتوهم السرادق كما يعرف في الدنيا من السرادقات ذاوت الأوتاد والأطناب والرواقات إلا جاهل عمي أحمق بهيمي.
  وكذلك لا يتوهم قول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}[الفتح: ١٠]، فلا يتوهم أحد له لُبٌّ أن ما ذكر الله من ذلك
(١) «على ما يعرف» ساقطة من (أ).
(٢) في (ب): ووزر.